أجهزة السلطة تخشى نشاط "حماس" في الضفة

المدن - عرب وعالم

الأحد 2019/08/11

أكد مصدر مطلع لـ"المدن"، أن السلطة الفلسطينية تراقب بحذر شديد الحديث الإسرائيلي عن خلايا جديدة لـ"حماس" في الضفة، لا سيما تلك الخلية التي تم كشفها مؤخرا وكان أفرادها يعتزمون تنفيذ تفجير في القدس، وفق مزاعم الإحتلال.

وتعاظمت مخاوف السلطة بعد تنفيذ "خلية محلية"- اتهمت حماس بتشكيلها- لعملية قتل جندي إسرائيلي في تجمع "غوش عتصيون" الإستيطاني شمال الخليل قبل ثلاثة أيام، إذ ترى أن نشاط خلايا كهذه تتبع لـ"حماس" في الضفة الغربية يتم بتعليمات من قيادتها في غزة بالتزامن مع أزمة السلطة المالية، ويهدف إلى المس بحكمها وسيطرتها على الضفة.

ووفق معلومات "المدن"، فإن السلطة واظبت على التنسيق الأمني "الحثيث" مع إسرائيل في هذه الأثناء- بالرغم من إعلانها عن وقف التعامل معها بما في ذلك الإتصالات الأمنية- خشية من تصاعد أنشطة خلايا لـ"حماس" في الضفة، الأمر الذي تراه السلطة في رام الله تهديداً إستراتيجياً لسيطرتها.

مصدر أمني فلسطيني قال لـ"المدن"، إن السلطة قلقة من تكرار سيناريو الإنتفاضة الثانية التي اندلعت قبل 19 عاماً، حينما تغاضت يومها عن تنامي قوة "حماس" العسكرية، ما مكن الحركة من السيطرة على قطاع غزة وإخراج السلطة منه. ويبدو أن هذا الأمر يمثل "فوبيا" مستمرة للمستويين الأمني والسياسي في السلطة.

لعل خشية السلطة المستمرة من أنشطة "حماس" العسكرية أو السياسية وحتى المالية والمجتمعية في الضفة، تمثل نقطة ضعف لها تعمل إسرائيل على استغلالها واستثمارها دائماً كي تضمن استمرار التنسيق الأمني في ما بينهما؛ تحت عنوان أنه يمثل مصلحة مشتركة للطرفين.

إذا ما نظرنا إلى بنية السلطة في هندسة الوضع والقرار بالضفة؛ فإن المؤسسة الأمنية فيها هي المقرر الفعلي ولكن بشكل خفي، لدرجة أن المستوى السياسي يتخذ القرارات والإجراءات التي تمليها عليه تقارير الأجهزة الأمنية حيث تصل إلى رئاسة السلطة في رام الله بشكل يومي.

ويمكن ضرب مثال لافت على ذلك، ألا وهو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اتخذ إجراءاته العقابية ضد غزة، بناء على تقارير أمنية بغية إرباك "حماس" في غزة؛ وذلك بسبب معلومات عن نيتها هز حكم السلطة من خلال تنشيط خلاياها العسكرية في الضفة.

بيد أن مصدراً أمنياً في السلطة يبرر لـ"المدن" مواظبة السلطة على كشف خلايا "حماس" في الضفة؛ بالقول إن "الهدف من إنشاء هذه الخلايا موجه ضد السلطة وحكمها أولاً وأخيراً عبر إرباكها، وإن كان الغلاف استثمار شبان وخلايا محلية لتنفيذ عمليات ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه"، حسب تعبير المصدر. ويشير إلى معلومات لديه تفيد بعمل دؤوب لقيادة "حماس" في غزة من أجل إشعال الميدان في الضفة، في مقابل الحفاظ على هدوء نسبي في القطاع أملاً في رفع أو تخفيف الحصار المضروب على غزة.

مصدر آخر كشف لـ"المدن" أن قلق إسرائيل الرئيسي من استمرار أزمة السلطة المالية يكمن في أنها تتخوف من أن يؤدي ذلك إلى إضعافها، ويتحول عناصر الأمن الفلسطيني المدربين إلى حالة أمنية غير مضبوطة خلافاً لما هو حاصل منذ تولي محمود عباس رئاسة السلطة وحتى اللحظة، فتشكل خطرا على الاحتلال ويتحولون إلى ذراع مسلح على غرار كتائب "الأقصى" التي تم تشكيلها في أعقاب اندلاع الانتفاضة الثانية قبل 19 عاماً.

ولهذا فإن المصدر يعتبر أن "إسرائيل تحسب ألف حساب للأمن الفلسطيني، لأنه عالي التدريب.. ويمكن أن يتحول الى خطر قادم في حال ضعفت السلطة وتمرد وتحول إلى مجموعات مسلحة".

ووفق المصدر، فإن جميع القناصين في السلطة الفلسطينية ويبلغ عددهم أكثر من مئة تلقوا تدريبات في الخارج في هذا المجال بعد موافقة إسرائيلية، هم تحت أنظار الاحتلال ومراقبته المستمرة. ويمكن أن يتحولوا الى قائمة الإغتيال لديه في حال "إنفلات الأمور" في لحظة ما.


الواقع أن سطوة الأمن على القرار السياسي في السلطة تبدو جلية وإن ظهر غير ذلك، أو تم في الغرف المغلقة. والدليل أن عباس نفسه لم يستطع تحقيق وعد إنتخابي بدمج جهازي المخابرات العامة و"الأمن الوقائي" كان قد طرحه نهاية عام 2004 للوصول إلى رئاسة السلطة.

هذا المثال يعطي إنطباعاً بأن معادلة الأمن في السلطة معقدة لدرجة أن رئيسها محكوم بإستثناءاتها وضوابطها ومراكز القوى التي تفرض نفسها.

تأثيرات وسلطة الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا تقتصر على الأمور السياسية والامنية البحتة، بل وتطاول مسألة الحريات العامة وطريقة قمع التجمعات السلمية حتى لو كان قمع تجمع سلمي ما، مخالفا لرغبة رئيس السلطة ورئيس الحكومة. ويعني هذا أن تقديرات الأمن هي الفيصل وليس القرار السياسي.

ولا ننسى في هذا السياق، كيف أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية، ظهر في موقف محرج عندما أكد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" خلال لقائه بفريق منها في رام الله مؤخرا، بأنه "لن يعتقل أحداً بسبب رأيه"، بينما كانت الأجهزة الأمنية تهم باعتقال صحافي من الخليل.

لم تتوقف تأثيرات الأمن عند هذا الحد، بل تعداه إلى التأثير في تشكيل الحكومات الفلسطينية المتعاقبة ولا سيما الأخيرة، وخاصة السيادية مثل وزارة الداخلية. فسبب الفيتو القادم من الأمن، لم يتم الإتفاق على تسمية وزير للداخلية، ما جعل هذه الحقيبة بلا وزير، وتحت إمرة وإشراف رئيس الوزراء.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024