"أجنحة الشام" تتحايل على العقوبات..قبل أن تنكسر

عدنان نعوف

الخميس 2020/06/04
بكثيرٍ من الحَذر، يتمّ تداول المعلومات حول رحلات طيران بينَ سوريا وأوروبا. تحايلتْ على العقوبات وعلى إجراءات الإغلاق نتيجة "كورونا"، وذلك رغم الإعلان رسمياً عن تسيير رحلات مشابهة لاحقاً.

أسباب قِلّة التفاصيل تتلخص في خوف اللاجئين السوريين من انتشار أخبار زيارات بعضهم لبلدهم الأم، ما قد يَضرّ بأوضاعهم القانونية، ويدفع الحكومات الأوروبية لإعادة النظر بحصولهم على حق اللجوء. أما السبب الآخر فهو أن قسماً ممّن سافروا ويسافرون، تحوّلوا إلى "السمسرة" وتقاضي عمولات عن "الوساطة" بين "الزبائن" الجدد وبين مكاتب الطيران، لذا فهُم يتحفظون على أي معلومة "مجانية".

وفي مقابل هذا التحفّظ من المسافرين، لا يكاد يمرّ أسبوع دون أن تُعلن شركة "أجنحة الشام" عن رحلات ترانزيت إلى ألمانيا أو السويد أو إلى دول أخرى، لتترك بذلك انطباعاً زائفاً بأن حركة الطيران طبيعية بين أوروبا وسوريا، وأنّه لا يوجد تقييد مفروض على نظام الأسد بهذا الشأن من قبل الاتحاد الأوروربي، الذي لا يزال يمنع الطائرات السورية الحكومية والخاصة من الهبوط في مطاراته.

مشهد كهذا أثار التساؤلات عن حقيقة هذه الرحلات، وعمّا إذا كانت تدخل ضمن "الخطة البديلة" التي تحدّث عنها وزير النقل في حكومة النظام الشهر الفائت، والتي تتلخص باستخدام مطارات "دول أقرب" يمكن للطائرات السورية التحرك منها أو إليها. وهو ما بدا كإلتفاف على قرارات المنع، ومحاولة لتحريك مياه التواصل الراكدة مع الحكومات الأوروبية، بذريعة إجلاء العالقين بسبب كورونا.
حجز رحلة من سوريا الى فرانكفورت على متن أجنحة الشام
كسر شكلي ومعنوي للحظر، وجد ضالّته في مطار "يريفان"، ليكون محطّة ترانزيت لحركة المسافرين بين دمشق وبين العاصمة الأرمينية، باعتبارها أقرب نقطة أوروبية لا تطالها عقوبات "الاتحاد" وإجراءاته، ويمكن منها الانتقال إلى دول أبعد.

ولعلّ أبرز الأمثلة على رحلات الترانزيت هذه، رحلة (دمشق- فرانكفورت) في السادس والعشرين من أيار/مايو، عبر طيران شركة "أجنحة الشام". 

ووفقاً لما ذكَرَهُ مسافرون سوريون (من حملة الجنسيات والإقامات الأوروبية) كانوا على متن الرحلة، فإنهم استقلوا ثلاث طائرات؛ واحدة سوريّة (أجنحة الشام)، واثنتان تابعتان لشركة بيلاروسية، أقلّتهم من سوريا إلى أرمينيا ثم بيلاروسيا وأخيراً ألمانيا، وتراوحت التكلفة بين 950 و1500 دولار للمسافر الواحد، بحسب المكاتب وأماكن التوقف والإقامة، وبلغت مدّة الرحلة مع الانتظار 20 ساعة تقريباً.

وتشكّل الرحلات عبر هذا المسار بديلاً مثالياً للسفر عن طريق لبنان، في ظل استمرار إغلاق "مطار رفيق الحريري الدولي" أمام الحركة المعتادة، "من دون أن يلغي ذلك احتمال تسيير رحلات خاصة من حين لآخر، تحت بند الإجلاء أو سواه. طبعاً في حال أخذ موافقة المديرية العامة للطيران المدني" حسبما ألمح مصدر لبناني مطلع تحدّث لـ "المدن".

ويأتي البحث المستمرّ عن بدائل من قبل الطيران السوري "الخاص"، ممثلاً ب"أجنحة الشام"، في وقت ازداد فيه تضييق نظام الأسد على الشركة، باعتبارها إحدى الواجهات الاقتصادية لرامي مخلوف. وكانت أحدث فصول هذا التضييق تمثلت بفرض وزارة النقل في حكومة النظام مبلغ عمولة 45 ألف ليرة سورية على كل تذكرة سفر (داخلي) يتم حجزها مع طيران "أجنحة الشام" وتتوجّه إلى مدينة القامشلي. وإثر ذلك، أصدرت الشركة بياناً أوضحت فيه أنها اضطرّت لرفع أسعار تذاكرها إلى 70 ألف ليرة للشخص، ما أدى إلى إحجام المسافرين عن الحجز على طيران الشركة.

لكنّ مساعي "أجنحة الشام" للتعويض ومحاولة فتح أبواب تمويل جديدة، تصطدم بتواضع الإمكانيات كونها تملك بعض الطائرات المستأجرة والتي يُقدّر عددها بين 4 إلى 6 طائرات.
ويشير رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" الدكتور أسامة قاضي، في حديث ل"المدن"، إلى أن أعباء هذه الشركة يمكن أن تزداد مع بدء تطبيق قانون "قيصر" الأميركي "في حال نُسبت ملكيتها لحكومة النظام السوري، أو ثبت قيامها بنشاطات لصالحه، كنقل قطع غيار الطائرات أو أي سلع أو تقنيات أو عتاد أو مقاتلين". وتوقّع قاضي أن تؤول ملكيّة شركة "أجنحة الشام" لشخص جديد، "بعد أن يتم استبدال المنظومة الاقتصادية لرامي مخلوف بأخرى".

ومعلوم أن الشركة مملوكة نظرياً ووفق مبدأ الحصص، إلى رجلي الأعمال محمد أنور شموط ومحمد عصام شموط. لكنّ المالك الفعلي وفق مصادر مقرّبة عديدة، هو رامي مخلوف، إبن خال رئيس النظام بشار الأسد.

وفيما إذا كان تنقّل المغتربين السوريين عبر طيران "أجنحة الشام" يستطيع رفد خزينة النظام بعملة صعبة، وسط تزايد الضغوط الأوروبية والأميركية، لم ينفِ قاضي حاجة نظام الأسد لأي أموال ينفقها المغتربون لصالحه، لكنه رأى أن أية مداخيل مالية من هذا النوع مهما كبُرت أو صغرت "غالباً ستبقى خارج سوريا، ولن تستفيد منها الخزينة". فعندما ستضع واجهة جديدة يدها على الشركة "ستحسب ألف حساب قبل إدخال قطع أجنبي إلى الخزينة السورية"، والسبب هو "المرسوم رقم 3 للعام 2020 والذي حدّد سعراً لشراء الدولار من قبل البنك المركزي مقداره 700 ليرة، بينما يتجاوز سعر الدولار فعلياً في السوق 1900 ليرة".

ورداً على سؤال عن احتمال تأثّر مَسارات رحلات "أجنحة الشام" وتقييد تنقلاتها بشكل أكبر بعد تطبيق قانون "قيصر"، أكد قاضي أن الولايات المتحدة يهمّها أن تراقب أي طيران للشركة يتوجّه إلى إيران، بالدرجة الأولى. وعند رصد أي ارتباط لها أو أي نشاط داعم للنظام السوري، حينها سيتمّ تطبيق عقوبات عليها بموجب هذا القانون.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024