تركيا: لماذا يُخالف بعض السوريين القوانين؟

أحمد الشامي

السبت 2019/08/31
يضطر لاجئون سوريون مقيمون في تركيا، إلى مخالفة القوانين المتعلقة بتنظيم إقامتهم وتنقلهم وعملهم، بسبب تعقيداتها البيروقراطية، وصعوبة الحصول على التصاريح اللازمة.

تراخيص العمل

تفرض وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التركية على أصحاب العمل الأجانب مجموعة من التراخيص ليباشروا بعدها أعمالهم بشكل قانوني، كالحصول على رقم مالي ورخصة من البلدية واذونات عمل. ويدفع صاحب العمل الأجنبي شهرياً ما يقارب 120 دولاراً، للحصول على الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، والتأمين ضد الحوادث.

ويتطلب استخراج إذن عمل للعمال الأجانب شروطاً أبرزها ألا يقل رأسمال الشركة عن 100 ألف ليرة تركية. ويسمح للاجئ السوري الحصول على إذن العمل، بشروط مخففة عن بقية الأجانب، كتسهيل من الوزارة، إلا أن ذلك يظل أمراً معقداً.

محمود، يملك مركزاً لبيع وتوزيع مياه الشرب في مدينة مرسين، ويعمل فيه ثلاثة شبان سوريين. محمود، قال لـ"المدن"، إنه سارع لاستخراج التراخيص المطلوبة، وتقدم بطلب للحصول على ترخيص للعمل، إلا أن عمله بقي غير نظامي، لأن العمال لم يحصلوا على إذن عمل. وفي حال إيقاف أي منهم أثناء العمل، سيتعرض صاحب العمل والعامل للمخالفة، وقد يُسحبُ الترخيص من صاحب العمل لمخالفته قانون العمل التركي.

وأضاف محمود، لـ"المدن"، ان ما يمنعه من استخراج تراخيص العمل للعمال هو القانون التركي الذي يرخصُ للمشروع المؤسس في تركيا فقط إذا شغّل عاملاً أجنبياً واحداً مقابل 5 عمال أتراك. وهو الأمر الذي يستحيل تنفيذه في حالة محمود، وغيره من المشاريع الصغيرة الأخرى التي أوجدها السوريون في تركيا، كالمطاعم المتخصصة بالمأكولات السورية، والأفران. فالعامل السوري هو الخيار الأول أثناء البحث عن العمال. فالعامل السوري يتقاضى أجراً أقل بنسبة 40% من أجور العمال الاتراك، ويعمل حتى في ظل عدم وجود تأمينات صحية واجتماعية.

عدم ترخيص العمل يُعرّض العمال السوريين للاستغلال، ولضياع حقوقهم، وعدم قدرتهم على المطالبة بها، هذا عدا عن غياب تأميناتهم الصحية والاجتماعية.

ويحتال محمود على الترخيص، باتفاق ضمني مع عماله، على أن يقولوا في حال تعرضوا للإيقاف اثناء عملهم، إنهم زبائن جاؤوا للتسوق.

الحالة لا تتعلق فقط بالمشاريع السورية البحتة، بل يخاطر بعض أرباب العمل الأتراك بتشغيل سوريين، بسبب تدني أجورهم وتهرباً من دفع التأمينات عليهم. علي المقيم في انطاكيا، يعمل كطباخ في مطعم تركي، قال لـ"المدن"، إنه مع ازدياد الضغط والتدقيق على اللاجئين السوريين، طالبَ المسؤول عنه بأن يستخرج لهُ إذن عمل، لتجنب المخالفة في حال تعرض المطعم للتفتيش. وكان رد المسؤول التركي عن العمل، إنه عندما قرر تشغيله كان الهدف هو التخلص من أعباء التأمينات الإلزامية "السوكرتا" التي تدفع عن كل عامل تركي شهرياً، وإنه في حال اضطر لاستخراج تصريح عمل فستكون الأولوية لبديل تركي.

ووفقاً لقانون العمل التركي، توجد ثلاثة أنواع رئيسية لتصريح العمل؛ المفتوح، والمرتبط بزمن، والعمل المستقل. هذا، بالإضافة إلى أذونات عمل للأطباء والمهندسين والطلاب. ويُقدر عدد السوريين الحاصلين على أذن عمل بأكثر من 31 ألفاً، بحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التركية.

الحماية المؤقتة

وفقاً لدائرة الهجرة التركية فأن عدد السوريين الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة أكثر من 3 ملايين ونصف مليون، بحسب آخر إحصائية صادرة عنها منتصف آب/أغسطس. في حين لا تتوافر احصائية دقيقة للمخالفين وغير الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة.

أحمد خليل، الذي وصل إلى تركيا مطلع العام 2019، قال لـ"المدن"، إنه زار وحدة شؤون اللاجئين في مدينة قيصري أكثر من 20 مرة، بهدف الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة، الا انه لم يحصل عليها. وكان رد الموظفين في دائرة الهجرة دائماً بأن الوالي أصدر تعليمات باعطاء بطاقات الحماية فقط للعوائل، أما الأفراد فبإمكانهم الحصول عليها من ولايات أخرى.

إبراهيم 30 عاماً، خرج من مخيم جيلان بينار، منذ ثلاثة أشهر، وقال لـ"المدن"، إنه توجه بعدها إلى مدينة مرسين بتسهيل من إدارة المخيم ومنظمة أفاد، ومع ذلك لم يتمكن من الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة. ويعود السبب وفقاً لإبراهيم؛ للفساد ضمن دائرة الهجرة في الولاية، المتمثل بتسيير عدد محدود من المعاملات يومياً، رغم الأعداد الهائلة للطلبات. وأشار ابراهيم إلى تحول بطاقة الحماية المؤقتة إلى سلعة يتم الاتجار بها عبر دائرة الهجرة، بوساطة سماسرة سوريين واتراك.

"المدن" تواصلت مع السمسار في مدينة مرسين "أبو عمر"، وطلبت منه استخراج بطاقة حماية مؤقتة لشخص وصل حديثاً من سوريا. أبو عمر طلب لقاء ذلك 500 دولار، على أن تدفع بعد تثبيت القيد وأخذ البصمات ضمن دائرة الهجرة في المدينة. أما في حال كان الشخص راغباً في نقل بطاقة الحماية من ولاية الى أخرى فـ"الأتعاب" هي 300 دولار تُدفع مباشرة بعد تحصيل البطاقة من الولاية الجديدة.

إذن سفر

تفرض إدارة الهجرة على الأجانب المقيمين تحت بند الحماية المؤقتة ما يعرف بإذن سفر، عند رغبتهم التنقل في تركيا. ويكون الإذن محدداً بمدة زمنية أقصاها 120 يوماً. ويتطلب لاستخراجه تقديم بطاقة الحماية المؤقتة وما يُثبت سبب تنقله؛ زيارة أو علاج أو عمل.

وموضوع منح اذن السفر مرهون بموافقة الموظفين، والتعليمات الشهرية المعممة على إدارة شؤون اللاجئين. فلا قبول بالمطلق ولا رفض بالمطلق.

النسبة الأكبر من السوريين في تركيا غالباً ما تتنقل من دون اذن سفر. شهادات متقاطعة لسوريين، لـ"المدن"، أجمعت على أن ما يمنعهم الحصول على إذن السفر، هو التعقيدات التي تفرضها إدارة شؤون اللاجئين في كل ولاية على حدة، ومزاجية الموظفين، خصوصاً في الولايات الجنوبية.

محمود الإدلبي، يتنقل شهرياً بين مدينتي الأنامور والريحانية، متنقلاً بين أقاربه. محمود قال لـ"المدن"، إن دائرة الهجرة منحته 3 اذونات سفر، وبعدها توقفت عن ذلك، فبات يضطر للسفر بطريقة مخالفة، عبر سيارات نقل خاصة، غالباً ما يكون سائقها سورياً، ومع ذلك يدفع لهُ اضعاف ما يدفعه للنقل العام التركي، رغم مخاطر التوقيف في أي لحظة من قبل أجهزة الامن التركية، وإنزال المخالفات بحقه وحق السائق. وتصل المخالفات احياناً إلى حد ابطال الرقم الخاص ببطاقة الحماية المؤقتة، والترحيل خارج البلاد.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024