النظام وروسيا يعلنان موت "الدستورية"..ماذا تغير في موسكو؟

عقيل حسين

الثلاثاء 2020/10/06
وجّه رئيس النظام السوري بشار الأسد صفعة جديدة للجنة الدستورية التي تعاني منذ تشكيلها عرقلة مستمرة من النظام، بلغ ذروته في أيلول/سبتمبر مع فشل فريق الأمم المتحدة الخاص بسوريا في إقناع دمشق بعقد جولة جديدة من أعمال اللجنة كان مقرراً أن تكون الاثنين.

وقال الأسد لقناة "زفيزدا" الروسية، إن وفد النظام لن يناقش، أثناء لقاء لجنة مناقشة تعديل الدستور في جنيف "قضايا تتعلق باستقرار سوريا"، متهماً تركيا ومن أسماها الدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة، بأنها "غير مهتمة بعمل لجنة مناقشة تعديل الدستور بصورة بناءة، وأن مطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها، لذا فإن الحكومة السورية لا تقبل هذا المنهج وترفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سوريا".

اللقاء التلفزيوني الذي أتى بمناسبة مرور خمس سنوات على التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، ركز فيه الأسد جل الحديث على أن ما يحصل في سوريا هي معركة بين النظام والإرهاب، في عودة فجة لمقاربة النظام الأساسية للقضية السورية، وبلهجة تبدو مثقلة بالتساؤلات حول معنى وجدوى التعامل الروسي السابق مع هذه القضية من زوايا أخرى موازية لتدخلها العسكري، أي زاوية الحل السياسي، الذي يجب على روسيا -كما قال الأسد ضمنياً- أن تهمله وتتوقف عن إحراج النظام في ما يتعلق به، وأن تمضي معه في إنجاز مهمة القضاء على المعارضة بشكل كامل باعتبارها "إرهاباً".

الواضح أن الأسد الذي لم يسبق أن تحدث لوسيلة إعلام روسية بهذه اللهجة من القطع مع الحل السياسي، لم يكن ليقول ذلك اليوم لو لم يكن قد تلقى ما يكفي من الدعم الروسي، حيث بدأت موسكو تنحو في هذا الاتجاه بشكل صريح منذ حوالي شهر، عقب تفاعل إيجابي أبدته خلال ومع انتهاء الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي انتهت في 24 آب/اغسطس الماضي.

فبعد تصريحات تصالحية مع الولايات المتحدة حول الملف السوري صدرت عن مسؤولين في وزارة الخارجية الروسية، مع انتهاء جولة اجتماعات اللجنة الدستورية الأخيرة التي استضافتها العاصمة السويسرية جنيف، جاءت زيارة وزير خارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق في 8 أيلول/سبتمبر والتصريحات التي صدرت عنه هناك، لتضع حداً للتفاؤل الذي ساد خلال الأيام التي سبقت هذه الزيارة، بامكانية أن تمارس روسيا ضغطاً حقيقياً وجاداً على النظام للمضي قدماً في المفاوضات وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254.

لكن إعلان لافروف دعم بلاده تنفيذ النظام انتخابات مجلس الشعب، وخطته اجراء الانتخابات الرئاسية منتصف ال2021، وتأكيده أن النظام ليس مجبراً أن ينتظر لكي ينظم هذه الانتخابات انتهاء مفاوضات اللجنة الدستورية التي لا يمكن وضع سقف زمني لها، أكدت أن الروس كانوا يعلنون موت العملية السياسية الحالية لكن من دون دفنها.

لاحقاً حسم الامر فشل مساعي المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن وفريقه بإقناع النظام بعقد جولة جديدة للجنة الدستورية في 6 تشرين الأول/أكتوبر، على الرغم من أن هذا الموعد الذي اقترحه بيدرسن كان قد تم التوافق عليه مبدئياً بين وفود اللجنة الدستورية الثلاثة بمباركة روسية.

ألا أن النظام تملّص طيلة الشهر الماضي من تنفيذ ما تم التوافق عليه، ورد بتسويف متكرر على اتصالات المبعوث الأممي الذي تلقى تعاملاً بارداً أيضاً من قبل الروس خلال اتصالاته بهم من أجل الضغط على النظام للقبول بعقد جولة جديدة من المفاوضات، حسب ما كشفت عنه مصادر في المعارضة ل"المدن".

العميد ابراهيم الجباوي، عضو اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة، أوضح في تصريح ل"المدن"، أن "مساعي غير بيدرسن التي جرت خلال الأسابيع الخمسة الماضية لعقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية قد فشلت بالفعل، رغم الجهود الحثيثة التي بذلها، لكن النظام رفض التجاوب مع هذه الجهود، وهو ما لا يمكن أن يكون قد حدث لولا الرضى الروسي بذلك".

ورأى الجباوي أن الانعطافة الروسية ضد اللجنة الدستورية "تتعلق بمضي الإدارة الأميركية في تطبيق العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، ولافروف نفسه أشار إلى ذلك عندما قال إن بلاده تدعم اللجنة الدستورية لكن العقوبات تعيق عملها". 

وقال إن هذه الذرائع مُتفق على رفضها، سواء من الولايات المتحدة التي ما فتئت تؤكد أن هذه العقوبات هدفها جلب النظام إلى طاولة المفاوضات، وأنه سيعاد النظر بها فور التزام النظام بالحل السياسي، أو من وفد المعارضة الذي يذكر دائماً بأن النظام رفض الجنوح للحلول السياسية، ولم يقبل بالانخراط بأي مفاوضات إلّا تحت الضغط الروسي، وأن كل المفاوضات التي قبل المشاركة فيها كان يتعمّد إفشالها، وهذا حدث حتى قبل قانون العقوبات الأميركي (قيصر).

ولتفسير الموقف الروسي الجديد الذي يتماهى مع موقف النظام بعد أن كان منتظراً من موسكو دفع النظام لمواصلة العملية السياسية حتى بالمعايير التي لا ترتقي الى مستوى طموحات المعارضة والغرب، تعتقد المعارضة أن لدى موسكو مطالب انتظرت من واشنطن تلبيتها في ما يتعلق بسوريا، لكن الإدارة الأميركية لم تلبِّ أياً منها على ما يبدو، ولذلك حدثت هذه الانعطافة في الموقف الروسي.

وإذا كانت الولايات المتحدة وروسيا تذهبان باتجاه تصعيد المواقف المتناقضة حول سوريا، إلى حد تعطيل الحد الأدنى من المسار السياسي "اللجنة الدستورية" فإن اللافت هو الصمت التركي تجاه هذا التطور، على الرغم من أنها إحدى الدول الراعية لمسار أستانة الذي نتجت عنه اللجنة الدستورية عام 2019.

وفي تعليقه على موقف أنقرة هذا، يرى الكاتب والباحث السوري ماهر علوش في حديث ل"المدن"، أن "عدم التفاعل التركي مع التطورات السلبية الأخيرة التي يشهدها ملف اللجنة الدستورية والمسار السياسي السوري بشكل عام، يأتي من تغير الأولويات بالنسبة لأنقرة. الملف السوري ليس أولوية تركية اليوم، ولا مشكلة عند تركيا في عدم إحراز أي تقدم على الصعيد السياسي طالما أن الواقع العسكري مجمد، وستكون هناك مشكلة بالنسبة لأنقرة فقط إذا اندلعت مواجهة عسكرية جديدة في إدلب".

وأضاف أن "تركيا تحقق تقدماً في ملفات المواجهة المفتوحة بينها وبين روسيا في مناطق أخرى، سواء في ليبيا أو أذربيجان أو غيرهما، وهي تعتمد سياسة فصل الملفات وتشابكها في الوقت نفسه، حسب ما تقتضيه الضرورة واللحظة". وأوضح أنه "في هذه اللحظة فإن تركيا ليست بحاجة على صعيد الملف السوري، إلى تصريحات بقدر حاجتها إلى تفاهمات وتوافقات ليس بالضرورة أن تكون علنية، ولكن في النهاية فإن أكثر ما يعنيها ليس المسار السياسي غير الناضج حقيقة، بل تبريد الجبهات وإنهاء الحرب تدريجياً، وصولاً إلى استقرار ناجز يمهد لعملية سياسية حقيقية وجدية تنهي الحرب على حدودها الجنوبية".

ما بين التصعيد الروسي-الأميركي الذي يصبّ في مصلحة النظام، كونه يعطل مسارات الحل السياسي حتى على مستوى لجنة صياغة دستور جديد للبلاد، وبين صمت الحليف التركي المطبق تجاه هذه التطورات، يعلن رئيس النظام تشدده أكثر تجاه ما يمكن أن يقبل بمناقشته في مفاوضات اللجنة الدستورية إلى حد إفراغها من أي مضمون، بينما تجد المعارضة نفسها عالقة في قاعة انتظار لا تدري كم ستطول إقامتها فيها، بانتظار توافقات أو تطورات جديدة بين الدول المتداخلة في الصراع السوري.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024