إدلب: مليشيات النظام منقسمة

خالد الخطيب

الثلاثاء 2019/08/06
انقسمت مليشيات النظام بين مؤيد لإنهاء الهدنة واستئناف المعارك مع المعارضة المسلحة، وبين معارض للتصعيد، في حين أبدت المعارضة استعدادها للرد والتصدي للمليشيات إن حاولت التقدم.

المليشيات تكذب

إلتزمت الفصائل المعارضة والإسلامية بوقف إطلاق النار، وكان قصفها في الغالب رداً على القصف البري للمليشيات، والذي لم يتوقف منذ إعلان الهدنة بين الطرفين.

مدير المكتب الإعلامي في "الجبهة الوطنية للتحرير" محمد رشيد، أكد لـ"المدن"، أن مليشيات النظام تكذب، وهي من واصلت خرق الهدنة منذ الساعات الأولى التي تلت الإعلان عن دخولها حيز التنفيذ. والمبررات التي اعتمدت عليها المليشيات لإنهاء العمل بوقف إطلاق النار غير صحيحة، وأضاف: "هناك نية لدى المليشيات لمواصلة التصعيد وكنا نتوقع ذلك مسبقاً".

القائد العسكري في "جيش العزة" العقيد مصطفى بكور، أكد لـ"المدن"، أنه لم يكن هناك هدنة بالمعنى الحقيقي. فالمليشيات كانت تقصف باستمرار مواقع المعارضة والبلدات المدنية القريبة من خطوط التماس شمالي حماة وجنوبي ادلب. وقال بكور : "لا نثق بالنظام وروسيا، وما حصل بالفعل، هو أن القصف الجوي توقف بشكل مؤقت ومن ثم استأنفت الطائرات غاراتها، ولا نحتاج لمبررات المليشيات الكاذبة". ويرى بكور، أن مليشيات النظام الروسية ستحاول التقدم في الأيام المقبلة في جبهات ريف حماة، والمعارضة جاهزة لكافة التطورات الميدانية.

المليشيات منقسمة

شهدت صفوف مليشيات النظام الروسية جدلاً واسعاً حول جدوى انهاء الهدنة واستئناف المعارك مع المعارضة، وانقسمت المليشيات بين مؤيد ومعارض. وفضّل قسم منها استمرار سريان وقف إطلاق النار، وأن تتكفل روسيا الضغط على تركيا لإقناع المعارضة كي تخلي منطقة خفض التصعيد من السلاح الثقيل والتنظيمات السلفية، ومن ثم تشغيل الطرق الدولية بحسب اتفاق سوتشي، وبهذه الطريقة تتجنب المليشيات معركة استنزاف جديدة.

أنصار الهدنة هم من "قوات النمر" و"الفيلق الخامس"، أي التشكيلات التي ينحدر عناصرها من مناطق ريف حماة واللاذقية القريبة من ساحة المعركة. وهذه التشكيلات كانت قد تعرضت لخسائر كبيرة في معركة الـ90 يوماً الماضية، ولم يعد لديها رغبة في مواصلة القتال. ويرى هؤلاء أن الحل العسكري في ادلب لن ينجح، ولن يحسم ملف ادلب إلا سياسياً، بعد انتخابات الرئاسة في العام 2021.

قادة في "قوات النمر" شبّهوا المعارضة في ادلب في "حزب الله اللبناني"، من جهة تكتيكات القتال وأساليبه، وقدراتها وامكانيات مقاتليها، وقالوا إنها تقاتل عن عقيدة لذلك من الصعب القضاء عليها من دون خسائر. واتهم أنصار الهدنة الفرق والألوية في جيش النظام بأنها تسعى لمواصلة القتال، وقد تعمدت خرق الهدنة بقصفها المتواصل.

موالو النظام تفاعلوا مع أنصار الهدنة من المليشيات، وفضلوا وقف المعارك، وتسريح العناصر المجندين والاحتياط، وهاجموا المواقع الإعلامية وتلفزيون النظام لأنهم منفصلون عن الواقع بحسب تعبيرهم، ويروجون لانتصارات وهمية ثمنها دماء مئات القتلى من الذين سقطوا في المواجهات الأخيرة مع المعارضة.

أما المليشيات الراغبة في مواصلة المعركة وانهاء الهدنة، فهي "الفرقة الثامنة" و"الفرقة 11" و"الفرقة التاسعة" و"الحرس الجمهوري"، وكذلك "الفرقة الرابعة". وتتحمل هذه التشكيلات المسؤولية الأكبر عن القصف والخروق التي شهدتها مناطق المعارضة في أيام الهدنة. وتتحدث مواقع إعلامية مقربة منها عن سهولة المرحلة المقبلة من المعارك، وتلمح لاجتياح ريف حماة الشمالي ومواصلة التقدم في محاور القتال شرقي تل ملح.

معركة مفترضة

لم تُجرِِ المليشيات أي عمليات إعادة انتشار جديدة في جبهات القتال مؤخراً، واستئناف القصف الجوي، وتصعيد القصف البري، لا يعني بالضرورة أنه مقدمة لمرحلة جديدة من المعارك.

مصدر عسكري معارض أكد لـ"المدن"، أن الهدف من القصف هو الإبقاء على حالة التصعيد في ادلب ومحيطها، وقطع الطريق على المعارضة كي لا تعيد ترتيب صفوفها ودعم جبهاتها، ويهدف القصف أيضاً وفق المصدر، إلى الضغط على المعارضة وتركيا لتنفذ بنود سوتشي.

ماذا تريد المليشيات؟

لا تريد مليشيات النظام الروسية العودة إلى المعارك المُكلِفة، بل تفضل الضغط على المعارضة وتركيا من خلال القصف، ومحاولات التقدم البري، وذلك لدفعها للانسحاب من منطقة خفض التصعيد. وتقول المليشيات إنها مستعدة للانسحاب من خطوط الجبهات لمسافة 7 كيلومترات بحسب بنود الاتفاق، ولكن على المعارضة أن تطبق وتلتزم أولاً.

مصدر عسكري قال لـ"المدن" إن إنشاء المنطقة الآمنة شرقي الفرات سيكون ثمنها إتمام تطبيق بنود منطقة خفض التصعيد من جانب المعارضة. وهذه أهم نقاط الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا في أستانة 13. وبحسب المصدر، فالمعارضة على علم بذلك وهي تتشاور فيما بينها من أجل الوصول إلى قرار، المواجهة أو بدء التطبيق. وفي حال رفضت المعارضة فمن المحتمل يتوقف الدعم التركي للجولة الجديدة من المعارك، على الأقل ظاهرياً.

موقف المعارضة

تعتبر الفصائل المعارضة والإسلامية نفسها منتصرة، وحققت انجازاً مهماً رغم خسارتها لأكثر من 20 قرية وبلدة منذ بداية المعارك في أيار/مايو. وتعول المعارضة كثيراً على انهيار المليشيات وانقسامها بسبب الخسائر الكبيرة التي منيت بها، وتفترض أن بإمكانها الصمود في المعركة المقبلة، واستنزاف المليشيات مجدداً، وإجبارها على القبول بشروطها، أي أن يقتصر التواجد في منطقة خفض التصعيد على الجيش التركي، والتخلي عن مطلب دخول الشرطة العسكرية الروسية.

لا تثق المعارضة بالنظام وروسيا في حال أخلت منطقة خفض التصعيد. وإن صحت الصفقة الروسية–التركية فإن المعارضة ستكون أمام خيارات محدودة، خوض المعركة واستمرار الدعم التركي لها بالخفاء والتعويل على صمودها. أو أن ينحاز جزء منها تلبية لرغبة تركيا، في حين ترفض الفصائل الإسلامية، لتنقسم المعارضة في ما بينها مجدداً، لنكون أمام واقع أشبه بما حدث شرقي سكة حديد الحجاز.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024