الجزائر: صراع الجنرالات المستمر

المدن - عرب وعالم

الأربعاء 2019/04/10

لا يمكن الفصل بين إقالة رئيس جهاز الاستخبارات الجزائري عثمان طرطاق من منصبه، والصراع المستمر منذ عقود بين أصحاب نفوذ ومحاور داخلية في المؤسستين الأمنية والعسكرية الجزائريتين، لا سيّما أنّ هاتين المؤسستين تلعبان دوراً كبيراً في إدارة شؤون البلاد وثرواتها منذ استقلال الجزائر عن فرنسا في الخامس من تموز/ يوليو 1962.

هذا الدور للعسكر عاد مجدّداً إلى الواجهة، إثر اندلاع الاحتجاجات الشعبيّة الجزائرية الرافضة لولايةٍ خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، انتهت برضوخه واستقالته عن منصبه في الثاني من نيسان/أبريل الحالي، بعد أن قوبلت جميع الحلول التي طرحتها السلطة برفضٍ واسعٍ من جانب المحتجين.

قايد صالح يُطيح باللواء بشير
اللواء طرطاق الذي أُطيح به مؤخراً، كان يشغل منذ العام 2015 منصب مستشار رئيس الجمهورية المُكلف بالتنسيق بين المصالح الأمنية، كما كان المسؤول عن ثلاث مديريات في جهاز الاستخبارات: المديرية العامة للتوثيق والأمن الداخلي، والمديرية العامة للأمن الخارجي، والمديرية التقنية.

يبدو هذه المرة أيضاً، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية، أنّ الفريق قايد صالح، رئيس الأركان ورجل المرحلة القوي الذي بات يدير البلاد هو من يقف وراء التخلص من طرطاق، في إطار الصراع داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية بين أولئك الذين يعتبرهم الجزائريون عسكراً بزيٍّ مدني، والعسكر بثياب عسكرية، لا سيّما أنّ العداء بلغ أوجه في الآونة الأخير بالتزامن مع آخر محاولات حاشية بوتفليقة للتأثير على الانتقال السياسي في البلاد، والذي بات قايد صالح أبرز الداعمين له صراحةً.

وترى "لوموند" أنّ إقالة المسؤول الأول في جهاز الاستخبارات عثمان طرطاق، المعروف باسم الجنرال بشير، من خلال بيانٍ لوزارة الدفاع نقله الإعلام الرسمي الجزائري وإحالة الوصاية على المهام التي كان يديرها لوزارة الدفاع، يتناقض مع أنباءٍ سبق تداولها في الإعلام الجزائري تحدثت عن أنّ طرطاق قدّم استقالته للرئيس بوتفليقة يوم الثاني من نيسان/أبريل الجاري، أي قبل ساعاتٍ من استقالة الرئيس، كما أنّ الإقالة تعني تعاظم قوّة ونفوذ رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح وتمكّنه من الإطاحة بخصمٍ قويّ النفوذ والسطوة، بعد أن تسنّى للفريق صالح، بالاشتراك مع بوتفليقة، التخلص من شخصيات عسكرية كبيرة في فتراتٍ سابقة، إذ إنّ الجنرال بشير وصل إلى منصبه منذ قرابة 4 أعوام، خلفاً للجنرال توفيق، الذي قرر الرئيس بوتفليقة الإطاحة به عام 2015، وما كان الأمر ليتمّ حينها دون الاستعانة برئيس أركان الجيش قايد صالح، بعد أن شاع في الأوساط الجزائرية أنّ توفيق بات "يسيّر دولةً من داخل الدولة".

اللافت في ما طرأ على حال جهاز الاستخبارات اليوم، بحسب صحيفة "ألجيري بارت" الجزائرية الناطقة بالفرنسية، إلحاقه بوزارة الدفاع، بعد أن كان مرتبطاً برئاسة الجمهورية لعقود، مما يُدلّ على استعادة الجيش لسيطرته على أجهزة الاستخبارات التي انفصلت منذ عقود عن الأركان العامة، وباتت سلطةً مُستقلةً في قرارها، بدءاً من مرحلة العشرية السوداء، حين وسّعت قبضتها ونفوذها خلال الحرب على كلٍّ من الجيش والإسلاميين على حدٍّ سواء، عبر دائرة الأمن والاستخبارات التي أنشئت في العام 1990، فضلاً على احتفاظها بمهامها المخابراتية التقليدية واتساع تأثيرها وسطوتها حتى باتت تشمل الأحزاب ووسائل الإعلام، الأمر الذي ألحق بها صورةً قاتمة وسمعة سيئة في عيون الجزائريين، فيما اعتبرت "لوموند" أن الاستخبارات الجزائرية غدت بمثابة "الشرطة السياسية" في البلاد.

بوتفليقة وقايد صالح أطاحا باللواء توفيق
الرئيس السابق لجهاز المخابرات محمد مدين، المعروف بـ"توفيق" كان أحد الجنرالات الذين اعتمد عليهم بوتفليقة في دعمه للوصول إلى سدة الحكم عام 1999، وكذلك كان أبرز داعمي ترشحه في عام 2008، في مرحلةٍ حرجةٍ جرى فيها انتهاك الدستور وتغيير الحدّ الأقصى لعدد الفترات الرئاسية. إلا أنّ عام 2010 شهد بداية القطيعة بين الرجلين، فقد فُتح حينها من جانب المخابرات التي يديرها توفيق ملفّ التحقيق في الفساد المتعلّق بمجموعة النفط العموميّة "سوناطراك"، وذهب ضحيّة الملف وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل، صديق طفولة بوتفليقة والمُقرّب منه؛ حينها وجد الرئيس نفسه مضطراً لإقالة "شكيب في الثامن والعشرين من أيار/مايو 2010، مما اضطُرّ الوزير للهروب إلى خارج الجزائر تجنباً للمحاكمة والحساب.

في وقتٍ لاحق، تحديداً في عام 2013، جاءت اللحظة المناسبة للانتقام من اللواء توفيق والإطاحة به، إثر الهجوم الإرهابي الذي تبنّته إحدى الجماعات المرتبطة بـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على مجمّعٍ للغاز جنوبي البلاد. كان الهجوم نقطةً فاصلة أحدثت تحولاً كبيراً في البلاد، فقد اعتبر بوتفليقة الهجوم فشلاً لجهاز الاستخبارات وتعهّد بإعادة هيكلته، وجاء ذلك بدعمٍ من قايد صالح، لتكون النتيجة عزل الجنرال توفيق عن منصبه، قبل أن تُحلَّ دائرة الأمن والاستعلام التي كانت الذراع التي تطال كلّ شيءٍ في البلاد وتشكيل جهاز المخابرات الذي يتبع للرئاسة.

الجنرال توفيق عاد لواجهة الأحداث قبل أيامٍ من استقالة الرئيس بوتفليقة، حين ظهر في المشهد، عشية ما يمكن تسميته "مفاوضات اللحظة الأخيرة"، ما دفع قايد صالح وغيره للتحذير من "مناوراتٍ قد تقوم بها شبكات الأمن والاستعلام، التي هي دولةٌ عميقة وقوى خارجة على الدستور".

أحمد قايد صالح في مركز اللعبة
بات الفريق أحمد قايد صالح اليوم، بعد أن أزاح منافسيه جميعاً من طريقه، في مركز اللعبة السياسية والعسكرية في البلاد أو ربّما بات هو نفسه مركزها، ويرى المحلل السياسي عبد شرف في حديث لصحيفة "لوموند" الفرنسية، أنّ هذا التطور "مفيد"، فقد باتت هنالك "قوّة موحّدة وجاهزة لتحمّل مسؤولياتها هم العسكر الذين باتوا اليوم في الصف الأول، وحيدين في مواجهة الشعب".

يمكن القول إنّ الفريق قايد صالح الذي أطاح فعلياً بالجنرالين بشير وتوفيق، رجلٌ بالغ البراغماتيّة، ولا يجد حرجاً في التخلي عن أصدقاء أو الإطاحة بخصوم، فهو تخلّى كذلك عن بوتفليقة، بعد أيامٍ من اندلاع الاحتجاجات الشعبية الرافضة للعهدة الخامسة، رغم أنّه كان بادئ الأمر واحداً من داعميها، فإلى أين ستصل طموحات الفريق القوي؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024