"أنصار بيت المقدس" في سيناء.. أشد جرأة وخطراً

إسماعيل الإسكندراني

الثلاثاء 2014/08/12
نشرت جماعة "أنصار بيت المقدس" مقطعاً مصوراً جديداً بعنوان "نُصرت بالرعب"، يوضح استيلاءها على ثلاثة مبانٍ تابعة لقوات حرس الحدود المصرية غرب مدينة الشيخ زويد، ثم نسفها تماماً ورفع رايتها السوداء فوق أطلالها. وبحسب المقطع المصور، فالعملية تمت في 4 آب/أغسطس، وهو ما يعني تنفيذها بعد أقل من أسبوع، من إقامة أعضاء من الجماعة لصلاة العيد في الخلاء، مدججين بالسلاح المتوسط والثقيل. كما استعرض "الأنصار" تحدّيهم لطائرات الجيش الاستطلاعية، بتسجيل خطبة متحدثهم "أبو أسامة المصري"، في جمع من أفرادهم الملثمين صبيحة العيد، مختتماً إياها بالدعاء "للدولة الإسلامية"، وأن يفتح الله لها "بغداد وسائر البلاد وقلوب العباد".

مرّت سنة كاملة من الحرب بين الجيش والشرطة، وبين جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء، تنوعت فيها الأسلحة والتكتيكات، وكان للحرب النفسية فيها نصيب كبير. اعتمد الجيش على متحدثه العسكري السابق واللاحق، وعلى الصفحة الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، حيث ينشر بشكل دوري بيانات وتصريحات عن إنجازاته المزعومة. في الناحية المقابلة، ينشر "أنصار بيت المقدس" أغلب عملياتهم موثقة بمقاطع "الفيديو"، ويتجنبون الحديث عن الاشتباكات غير الموثقة، على الرغم من شهادات الأهالي بوقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش في تلك الاشتباكات.

من خلال تتبع الأعداد المعلنة في بيانات الجيش، فإن عدد من سقطوا من أعضاء الجماعات المسلحة على مدار سنة كاملة، سواء كقتلى أم معتقلين، يفوق قدرة المنطقة الحدودية من شمال سيناء على استيعابهم؛ كمسلحين منبوذين اجتماعياً، لا يتحركون في الشوارع غير ملثمين. وإن كان من المفهوم أن يسقط قتلى كثيرون منهم من دون أن يفتقدهم ذووهم بسبب كونهم وافدين إلى سيناء، من وادي النيل أو من خارج مصر، إلا أن استمرار الاشتباكات الضارية لمدة سنة كاملة لا يعنى سوى أن بيانات الجيش غير صحيحة، أو أن إمدادات المسلحين البشرية لا تتوقف. وفي ضوء التشديدات الأمنية المبالغ في تطبيقها في المنطقة الحدودية من شمال سيناء، فإنه لا يُتصور أن تكون الإمدادات البشرية بمثل هذا التدفق.

بدأت العمليات العسكرية الموسعة في شمال سيناء رسمياً في 7 أيلول/سبتمبر 2013، مع وعد من قائد الجيش الثاني الميداني في حينها، اللواء أحمد وصفي، بتسليم سيناء "متوضئة" وخالية من الإرهاب في غضون أسبوع. بعد شهر بالتمام، تم استهداف مديرية أمن جنوب سيناء، وفي الشهر التالي تم استهداف مقر المخابرات العسكرية في مدينة الإسماعيلية على الضفة الغربية لقناة السويس. وفي الشهر الذي تلاه استهدف "الأنصار" مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة في قلب الدلتا. أما كانون ثاني/يناير 2014، فقد شهد ثلاث عمليات نوعية للأنصار في كل من سيناء ووادي النيل. وفي أقل من أسبوع، نجح "الأنصار" في استهداف مديرية أمن العاصمة، بتفجير هائل سمعت أصداؤه في محيط عدة كيلومترات، بعد يوم واحد من تهديد وزير الداخلية لمن ينوي الاقتراب من أقسام الشرطة في ذكرى الثورة. في الأسبوع ذاته، أسقطوا طائرة عسكرية في شمال سيناء، فقتلوا طاقمها المكون من خمسة أفراد، مسجّلين بذلك سابقة تاريخية في إسقاط مروحية عسكرية مصرية على يد ميليشيا. وذلك بالتزامن مع استهداف مدينة "إيلات" الإسرائيلية، بصواريخ "غراد" لتحدي الأهداف الأمنية الإقليمية، لتلك الحرب الممتدة من أربعة شهور سابقة.

توالت الإخفاقات العسكرية والأمنية، حتى تم عزل قائد الجيش الثاني الميداني، وتعيين قائد الأركان خلفاً له. وعوضاً عن استبدال التكتيكات الفاشلة بنمط عملياتي أكثر احترافية ونجاحاً، لجأ اللواء محمد فرج الشحات، القائد الجديد للجيش الثاني، إلى استبدال الاشتباكات البرية بالقصف المدفعي غير عابىء بأرواح المدنيين. وفي رمضان المنصرم، وقع ما كان يخشاه الأهالي، فسقطت قذيفة على منزل مأهول ناحية "الكيلو 17"، فقتلت وأصابت عشرة من عائلة واحدة بينهم خمسة أطفال وثلاث سيدات. وفي عيد الفطر، تطايرت شظية فذبحت طفلة في قرية المقاطعة وأصابت أختها. وفي اليوم الثاني قتلت طفلة أخرى وأصيبت شقيقتها في قرية المهدية برصاص الجيش العشوائي، وفي اليوم الثالث قتلت امرأة عجوز في إحدى الحملات الأمنية.

سنة من الدماء والدمار وقطع الأرزاق وتعطيل الطرق ومنع الإسعاف ونسف المنازل وحرق المزارع، دفعت أعداداً كبيرة من السكان إلى الهجرة حتى تحولت قرى كاملة، مثل "اللفيتات" و"الثومة" إلى قرى أشباح. ومع خلخلة النسيج السكاني للمنطقة الحدودية والتفوق النوعي في الاشتباكات البرية لأنصار بيت المقدس مقابل قوات الجيش، فإن خطراً متزايداً ببسط نفوذ "الأنصار" على مساحات واسعة من المنطقة الحدودية ربما يقود لتدهور أكبر في الأسابيع والشهور المقبلة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024