ريف حماة:نصب وخوّات وتغيير ديموغرافي

يزن شهداوي

الجمعة 2020/09/04
فتح قرار اللجنة الأمنية في حماة الصادر في منتصف أيار\مايو 2020 والقاضي بنقل أملاك المعارضين للنظام السوري والمطلوبين الأمنيين له، إلى أملاك الدولة، الباب واسعاً على عمليات استيلاء على منازل وأملاك المعارضين بجانب إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة.

وبحسب القرار، يحق للنظام التصرف الكامل بتلك الأملاك بناء على القرار الذي أصدرته القيادة القطرية لحزب "البعث"، منتصف عام 2018، القاضي بتحويل أملاك الغائبين من المعارضين المتهمين ب"دعم الإرهاب" (المعارضين للنظام) إلى أملاك عامة.

وكان ريف حماة الشمالي إحدى المناطق التي تم تطبيق هذا القرار فيها مؤخراً، إذ أكدت مصادر في مجلس محافظة حماة ل"المدن" المعلومات التي تحدثت عن وضع النظام يده على أملاك المعارضين له في المدن والبلدات التي سيطر عليها أواخر عام 2018، وأنه تقرر تحويلها إلى ملكية مجلس المحافظة وفرع حماة لحزب "البعث"، بعد تأييد القضاء التابع لحكومة النظام قراراً للجنة الأمنية في حماة بهذا الشأن.

ويقضي القرار بنقل ملكية جميع العقارات، كالأراضي الزراعية والمنازل والمحال التجارية الخاصة بالمعارضين، الى كل من مجلس محافظة حماة وفرع حزب "البعث"، على أن يحق لهاتين الجهتين بيعها والتصرف بها أو وضعها في الاستثمار بشكل سنوي على أن يعود ريع الاستثمار لخزينة الدولة، ما يعني منحها للمتنفذين والمؤيدين للنظام.

ويقول أبو محمد، وهو أب لعائلة من أهالي مدينة مورك بريف حماة الشمالي ممن نزحوا إلى مدينة حماة في عام 2013، أنه عندما أراد العودة إلى مورك بعد سيطرة النظام عليها، تزامناً مع عودة الأهالي إليها، لم يسمح له بالدخول إلى المدينة إلّا بعد الحصول على موافقات أمنية من أفرع المخابرات الأربعة (الأمن السياسي والعسكري وفرع الأمن الجوي وأمن الدولة) بالإضافة إلى وثيقة لا حكم عليه، له ولجميع أفراد عائلته.

ويضيف "عند مراجعتي الأفرع الأمنية بدأت التحقيقات والدراسات الأمنية حول سبب نزوحنا إلى مدينة حماة، وعن عملنا فيها، وعن أملاكنا في مورك، بالإضافة إلى الدراسات الامنية حول أبنائي الشبّان الثلاثة وعن ميولهم السياسية، وعن أقاربنا إن كان أحدهم من المطلوبين للنظام، وعن أماكن تواجدهم وتواصلنا معهم".

وبسبب مغادرة نجله الكبير محمد إلى إدلب مع فصائل المعارضة السورية عند إقتحام النظام السوري لمورك في معركة سيطرته الأخيرة، رفض كل من فرع الأمن العسكري والمخابرات الجوية منحه الموافقة الأمنية من أجل السماح بعودته إلى مورك، وأخبروه بأنه سيتم مصادرة أملاكه وأملاك ابنه الأكبر المطلوب ما لم يسلم نفسه خلال ستة أشهر.

رفض أبو محمد التفكير بهذا الخيار، وأصر على التوجه إلى مدينة مورك للاطمئنان على ممتلكاته هناك، لكن حاجز الأمن السياسي المتمركز عند مدخل المدينة منعه من الدخول للمدينة بسبب عدم حيازته على الموافقة الأمنية المذكورة. ويؤكد أن فرقة مورك والموالين للنظام من أهالي المدينة قاموا بتقديم تقارير شاملة عن كافة أبناء المدينة من المعارضين للنظام وذويهم، لمنعهم من العودة والاستحواذ على ممتلكاتهم.

ويشير إلى أن هذا القرار يحرم أكثر من 40 في المئة من أهالي المدينة من العودة إليها، علاوةً عن المناطق الأخرى كاللطامنه وكفرزيتا وغيرها من المدن والبلدات التي عُرفت بمعارضتها للنظام السوري منذ بداية الثورة السورية، وقد التحق الكثيرون من أبنائها بالفصائل المقاتلة مع المعارضة السورية.

مشكلة أبو محمد مع عملية الاستيلاء طاولت الكثير من أهالي تلك المناطق الذي بقوا بلا حول في محاولتهم استرداد ممتلكاتهم. ويقول مصطفى، وهو شاب ثلاثيني من سكان مدينة كفرزيتا، إنه واجه ذات الصعوبات "بسبب الملاحقة الأمنية لأخيه الأصغر المقاتل في أحد فصائل المعارضة"، حيث تمّ منعه من العودة إلى منزله كحال عشرات العائلات في ريف حماة الشمالي، لكنه تمكن من حل المشكلة بدفع رشوى كبيرة لمسؤولين في النظام.

ويضيف في حديث ل"المدن"، أن "سماسرة الأفرع الأمنية كان لهم اليد الطولى في العمل كوسطاء مع ضباط النظام لتسهيل الحصول على الموافقات لمن لا يمكنهم استخراجها بسبب الملاحقات الأمنية لذويهم مقابل مبالغ مالية كبيرة قد تصل إلى أكثر من عشرة ملايين ليرة سورية، ويتمّ تقدير المبلغ حسب قيمة العقارات التي تملكها كل عائلة ومساحة الأراضي الزراعية الخاصة بها.

واستطاع مصطفى الحصول على الموافقات الأمنية من الأفرع الأربعة بعد دفعه أكثر من ستة ملايين ليرة سورية (ما يقارب ثلاثة آلاف دولار أميركي) لضباط مخابرات وموظفين في مجلس المحافظة لكي يتمكن من إستعادة أملاكه والعودة إلى بلدته وإعادة إعمار منزله في كفرزيتا.

وبحسب مصطفى، فإن هذا القرار فتح باب الخوّات على مصراعيه أمام ضباط النظام كسبيل جديد لابتزاز أهالي ريف حماة الشمالي بسبب علمهم بأن معظم أهالي تلك المناطق يملكون أراضي زراعية كبيرة، فيما عمد ضبّاط آخرون في أفرع المخابرات إلى عرض استثمار أراضي ذوي المطلوبين للنظام مقابل منحهم الموافقة على العودة لمنازلهم، وتصل عقود الاستثمار إلى ما يزيد عن خمس سنوات من دون مقابل مالي، وهو الأمر الذي شاع مؤخراً بشكل كبير خصوصاً في مورك.

ويقول مصدر خاص ل"المدن"، إن هذا القرار يسعى بشكل مباشر إلى تغيير ديموغرافية تلك المناطق وتفريغها من المعارضين للنظام الذي بدأ بنقل عقود ملكية المعارضين إلى المتنفّذين وكبار المستثمرين والضباط العلويين، ولأفراد الميليشيات الشيعية، خاصة لواء "المقاومة الإسلامية السورية" التابع ل"حزب الله" اللبناني، وإلى عوائل لبنانية من أهالي المقاتلين من ميليشيا الحزب، كذلك إلى مقاتلين إيرانيين وذويهم، كما حصلت القوات الروسية على مساحات كبيرة بعد الطلب الروسي الأخير بإقامة نقاط ثابتة لهم في تلك المناطق.

ويرى الكثيرون أن عملية التغيير الديموغرافي تهدف حالياً للحصول على أكبر قدر ممكن من العقارات والأراضي الزراعية في ريف حماة الشمالي، ومنع المهجّرين من العودة إليها في المستقبل القريب، سواء عن طريق الاستيلاء على أملاكهم أو إجبارهم على بيعها، وهذه السياسة كان النظام قد طبقها بتخطيط إيراني في القصير بريف حمص، ومناطق عديدة في ريف دمشق وريف حماة الجنوبي، واليوم تُنفذ في ريف حماة الشمالي.

وعلمت "المدن" من مصادر من أبناء المنطقة أنه وإلى جانب البدء بعملية الاستيلاء على أملاك المعارضين، أطلق سماسرة النظام والتجار المرتبطون به عملية واسعة لشراء الأبنية المدمّرة من الأهالي بأسعار زهيدة لا تتجاوز ال"15 مليون ليرة سورية"، فيما تصل أسعار تلك المنازل بعد إعادة إعمارها وبنائها إلى ما يزيد عن ثلاثين مليون ليرة سورية، إضافة إلى التركيز على شراء الأراضي المزروعة بالفستق الحلبي وكروم الزيتون المثمرة بأسعار زهيدة للغاية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024