كما جرى تعديل تعابير تبدو عائمة مثل "الجهات العامة ذات الصلة" بتحديدها وتسميتها في القانون. وتم تعديل مُسمّى "مجلس الأوقاف الأعلى" بـ"مجلس الأوقاف المركزي"، ومُسمّى "المجلس العلمي الفقهي الأعلى" بـ"المجلس العلمي الفقهي"، واسم "الفريق الديني الشبابي" إلى اسم "الأئمة الشباب". كما تم استبدال عبارة "العروبة والإسلام هوية لا يمكن التنازل عنها" بعبارة "العروبة الإسلام متلازمان".
النائب في مجلس الشعب نبيل صالح، وأحد أبرز مهاجمي المرسوم، كان قد قال في "فيسبوك" قبل التصويت على القانون المُعدّل: "ظهر الدخان الأبيض بعد اجتماع خمس ساعات ضم 35 نائباً من لجنة التربية واللجنة الدستورية، ومن يرغب من اللجان الأخرى في مجلس الشعب لمناقشة قانون الأوقاف الإشكالي. وقد توصلنا إلى حذف غالبية المواد التي أثارت تخوفكم، وتعديل بعضها، بحيث يمكن القول أنه بات مقبولا لنا بنسبة 75 بالمئة، كون الباقي يخص إدارة الأملاك الوقفية وتسلط السيد الوزير على مرؤوسيه". وأضاف: "سيحتاج (المرسوم) إلى ثلثي الأصوات لإقراره ليصدر كقانون برقم وتاريخ جديد يحال إلى مقام رئاسة الجمهورية".
معظم التعديلات الحاصلة على المرسوم 16، تكشف بوضوح أن "الدخان الأبيض" الذي أعلن عنه النائب نبيل صالح، كدلالة التوصل إلى حل جيد، يخفي وراءه الكثير من الضباب والقنابل الدخانية التي غلفت المشهد العام، سواء على الصعيد الإجرائي الذي واكب صدور المرسوم والقانون، وما تلاهما من تعمية إعلامية، أو على صعيد المضمون العام بما يزرع من أفخاخ وألغام في المجتمع السوري.
فالقانون لم يأتِ بديلاً عن المرسوم. المرسوم ما زال نافذاً ببنوده التي لم يشملها التعديل، وإن تغير اسمه، أو توصيفه القانوني. صالح كان قد ردّ على سؤال حول مصير المرسوم الموقع من الرئيس، بعد إصدار هذا القانون، بالقول: "لا جواب"، وكان رده على سؤال آخر حول عدم إلغاء المجلس للمرسوم بكامله: "لا نستطيع".
ولا يخفف من وطأة سيطرة الأوقاف؛ إشرافها الأوحد على النتاج الفني والثقافي والتاريخي والديني، وفق نص المرسوم الأصلي، أو تقاسمها الإشراف والتنسيق مع وزارتي الإعلام والثقافة وفق القانون الجديد. وذلك على الرغم من أن تصوير الأمر على هذا النحو هو محاولة النظام لحرف الأنظار عن مركز التسلط الأوحد، وإن لم يكن متعمداً منذ البداية، فقد أحسن النظام إدارته واستثماره بعد حدوثه، في اتجاهات متعددة.
فقد أوحي الاتجاه الأول، بأن الصراع في جوهره بين المؤسسة الدينية والمؤسسة التشريعية، وأن النظام ينأى بنفسه قدر الإمكان، لوجوده على مسافة واحدة منهما، وتأتي تدخلاته الحاسمة في اللحظات الحرجة لضبط التوازنات منعاً للانفجار الممكن.
وفي منحى ثان، فقد أتاحت مجريات الأمور للنظام أن يقول إن السلطة في سوريا قائمة على "المؤسسات" التي تؤدي دورها على أكمل وجه، بشكل ديموقراطي مستقل، خصوصاً في المؤسسة التشريعية التي استطاعت أن تضع حداً لـ"تغول سلطة الأوقاف المستمدة من الإرث الثقافي السائد"، وأن تُعدّل فقرات من المرسوم، وتجعله مقبولاً قدر الإمكان.
كما أوحى النظام لجمهوره، بمرونته واستعداده لتفهم هواجسهم واستعداده للعمل بكل ثقله من أجل إزالتها، عبر تعديل المرسوم بما يتوافق مع معاييرهم، ما جعلهم يحجمون عن "ضب الشناتي"، كناية عن الرحيل من الوطن كما سبق وعبّر أبرز منتقدي المرسوم، فيما لو بقي المرسوم على حاله. حالة أشعرت أولئك بالارتياح في الركون إلى النظام بوصفه الحامي المتفهم.
وعبر تعزيز نشوتهم بالانتصار الموهوم، كرّس النظام فكرة أن المعركة الجارية مع وزارة الأوقاف هي امتداد للحرب التي بدأت قبل 8 سنوات ضد الظلاميين. ويؤكد ذلك صوابية مواقف منتقدي المرسوم، وأن لا تراجع في الموقف، إذ أن النظام لن يطيح بتضحياتهم سدى.
ومع انتهاء ملهاة "المرسوم 16"، وفصلها الأخير المسمى بـ"القانون التشريعي المعدل للمرسوم"، لا معنى للحديث عن سلبيات للمرسوم، ولا قصور في القانون. وفي ظل المشهد العام الذي تعيشه سوريا، فكل ما تُكرّسه جلبة القانون والمرسوم، هو حقيقة مُحرّك الدمى وصانعها، في وزارة الأوقاف، ومجلس الشعب، وبقية "المؤسسات" السورية.