الجولاني يكثر الظهور..ماذا تخبىء النصرة؟

خالد الخطيب

الإثنين 2020/05/18
تصاعد التوتر من جديد بين تنظيم "حراس الدين" (التابع لتنظيم القاعدة)، و"جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام)، بعد الاشتباك المباشر بينهما في بلدة عرب سعيد غربي مدينة إدلب شمال غربي سوريا. وبدت المواجهات بين الطرفين مقدمة لصدام أكبر بدأت قيادات في "النصرة" تمهد له فعلياً. 

ويبدو أن تحركات زعيم "جبهة النصرة"، أبو محمد الجولاني، وظهوره المتكرر خلال شهر أيار/مايو، تهدف في جانب منها إلى الحشد شعبياً للحرب المفترضة على "الحراس"، ولإيصال رسائل أخرى توجهها "النصرة" الى الداخل والخارج.

ظهور الجولاني
اجتمع زعيم "جبهة النصرة"، أبو محمد الجولاني، مؤخراً مع شيوخ عشائر ووجهاء محليين في إدلب، وحضر الاجتماع عدد من القادة والشرعيين المقربين من الجولاني. وقالت "النصرة"، إن هدف اللقاء بشيوخ العشائر هو "للحديث عن شؤون الشمال المحرر ووضعهم في صورة التطورات الأخيرة"، وهي خطوة مهمة في هذا التوقيت، وتوضح أن هناك اهتماماً بالاستماع للناس وهمومهم، وباتت الجبهة ترى أنها تمثل مشروعاً وليست مجرد فصيل عسكري.

وظهر الجولاني في بداية شهر أيار/مايو، أثناء زيارته لعدد من الجرحى الذين أصيبوا برصاص عناصر الجهاز الأمني التابع له أثناء فض المظاهرات التي خرجت تطالب بمنع افتتاح معبر كانت تنوي "النصرة" افتتاحه مع النظام السوري بالقرب من بلدة معارة النعسان شمال شرقي ادلب. وفي منتصف أيار/مايو زار الجولاني عدداً من مخيمات النازحين شمالي إدلب، بالقرب من الحدود السورية-التركية، وقالت "النصرة" إن "الزيارة شملت المخيمات غير المكفولة لتلبية احتياجاتها".

احتفى قادة وأنصار "النصرة" بشكل غير مسبوق بتحركات وزيارات زعيمهم الأخيرة، واعتبروها بداية مرحلة جديدة في إدلب، وقال قادة الجبهة إن "الجولات تضمنت الحديث عن تردي المستوى المعيشي وانتشار البطالة ومصير المعتقلين في سجون النظام وأسئلة عن الوضع العام للساحة. وكانت الجولات إيجابية أخذ فيها الشيخ الشكاوى بعين الاعتبار تضمنها مساعدات فورية".

وكشف الناشط الإعلامي عبد الفتاح الحسين أن "جولات ولقاءات زعيم النصرة المعلن عنها منذ بداية شهر أيار/مايو ثلاثة، لكنها فعلياً أكثر بكثير، حيث التقى سراً بمجلس الشورى، ومجموعة من المشايخ في إدلب، وعقد اجتماعات مع مسؤولين وقادة عسكريين مقربين منه".

وأضاف ل"المدن"، أن "تحركاته تزامنت مع تغير كبير في لهجة أنصاره ومنظري الجماعة. البداية كانت في استثمار أزمة الطريق أم-4، مروراً بالتصعيد ضد حراس الدين والانتشار الأمني الكثيف ونشر الحواجز في عموم مناطق إدلب، وصولاً إلى المتاجرة بصفقة تبادل الأسرى مع النظام وإظهار علم الثورة على أكتاف المحررين".

التحضير لعمل شائن
الباحث في الجماعات الجهادية، عباس شريفة، قال ل"المدن"، إن " تحركات زعيم النصرة والترويج لها بشكل كبير من قبل قادة الجماعة، تعني بالضرورة بأن هناك عملاً شائناً يتم التحضير له. لقد تعودنا من القوم سياسة وراء كل رياء بالحسنة هناك جريمة بعدها، كما أن إطلالته الأخيرة مع مشايخ العشائر وهو يرتدي العباءة العربية والحطة الحمراء، تبدو استثماراً في ورقة العشائر ومحاولة للتقرب منهم بعد أن فشل في استثمار التحالفات العسكرية والإدارة المدنية المتمثلة بحكومة الانقاذ".

الناشط الإعلامي، حسين ناصر، قال ل"المدن"، إن ظهور زعيم النصرة في هذا التوقيت له دلالات وأهداف عديدة، أهمها "التقرب من الفعاليات المدنية، الوجهاء وشيوخ العشائر والظهور بمظهر المهتم بأمور العامة ومشاكلهم، أي محاولة تحسين صورة النصرة التي تعرضت لهزة كبيرة خلال الأسابيع الماضية بسبب التناقض في مواقفها في ما يخص الاعتصامات والدوريات المشتركة الروسية-التركية، ومحاولتها افتتاح معابر تجارية مع النظام".

وأضاف أن الجولة "تهدف كذلك إلى إيصال رسائل للفصائل المعارضة وحليفتها تركيا، بأن هيمنة النصرة لم تتأثر ولها قاعدة عريضة من الأنصار والمؤيدين. وهذا رد غير مباشر على المعلومات المتداولة والتي ترجح خسارة النصرة لهيمنتها مؤخراً لحساب الفصائل المعارضة والجيش التركي اللذين أصبحا القوة العسكرية الأكبر في ادلب، كما أن الجولات الأخيرة لزعيم النصرة تبقيها في دائرة الضوء وهي سياسة لطالما اتبعتها التنظيمات والحركات الإسلامية والسلفية عموماً، والنصرة بشكل خاص منذ تأسيسها في العام 2012".

وبحسب ناصر "تهدف تحركات زعيم النصرة إلى حشد الدعم الشعبي لتحركات عسكرية محتملة ضد التشكيلات السلفية، أبرزها، حراس الدين، التي يسميها عصابات الاحتطاب والخطف، جماعات الغلو، ومسميات أخرى باتت متداولة بكثرة في أوساط القادة والشرعيين المقربين منه مؤخراً".

عرب سعيد
هاجمت "جبهة النصرة"، ليل الأحد/الاثنين، مقار ومواقع "حراس الدين" في بلدة عرب سعيد ومحيطها غربي مدينة ادلب، واشتبك الطرفان بالأسلحة الرشاشة والثقيلة، ودمرت القوة المهاجمة مركبة عسكرية تابعة للحراس وأصابت عدداً من عناصر التنظيم واستولت على بعض مقارهم ومواقعهم داخل البلدة ومحيطها القريب من سجن إدلب.

وبررت "النصرة" هجومها، بأنه "استهدف مجموعة من عصابات الاحتطاب والخطف وقطاع الطرق، سلبوا أحد تشكيلاتها العسكرية التابعة لجيش أبو بكر مركبة عسكرية وأسلحة، وتحصنوا في بلدة عرب سعيد".

وأعلن فجر الاثنين، التوصل إلى اتفاق يوقف الاشتباك بين "النصرة" و "الحراس" في عرب سعيد. وتعهد الحراس بإرجاع الأسلحة المسلوبة، وتعهدت "النصرة" بتعويض خسائر الحراس أثناء الهجوم. واتفق الطرفان على تشكل لجنة قضائية مشتركة.

وقال القيادي السابق في "النصرة"، الشيخ صالح الحموي: "بدأ الجولاني تنفيذ ما طلب منه دولياً مقابل الإبقاء على فصيله وهو قتال حراس الدين. وحتى يقنع عناصره ضلّلهم أن الهدف هو محاربة مجموعات الاحتطاب والخطف والكل يعلم أن هؤلاء بدون تأمين غطاء لهم من أمراء الهيئة لا يستطيعون التنقل بين قرية وأخرى".

وما أن بدأ الهجوم على الحراس في عرب سعيد حتى بدأ أنصار "النصرة" وشرعييها في الدفاع عن الهجوم. قالوا: "الاحتطاب هو مهنة يمارسها بعض الغلاة في الشام على المسلمين بهدف كسب الأموال والأرزاق والآليات، وتكون بتكفير فصيل أو جماعة معينة والعمل أمنياً على مقراتها أو أفرادها أو ممتلكاتها بحيث يكون المسلوب منها حلالاً بنظر السالب، وقد انتشرت في الفترة الأخيرة حالات السلب في المناطق المحررة كان آخرها سلب مقرات وسلاح فصيل فيلق الشام".

الهجوم على الحراس في عرب سعيد أثار غضباً واسعاً في الأوساط السلفية. وقال القيادي السلفي الأردني أبو محمد المقدسي، في "تلغرام": "عندما ترفل أنت وجماعتك في خيرات المسلمين؛ وتستمتع بأموال المكوس والاقتطاعات التي تقتطعها من المعابر وغيرها، وتعلم  أن إخوانك في الدين في مخمصة وضيق تعطلهم عن الجهاد، بل وعن أدنى متطلبات الحياة بين ظهراني أرض تحت ولايتك، لا تسلط من ينهش أعراضهم، ويقتحم بيوتهم، بحجة كفهم عن الاحتطاب، فجماعتك متخمة من الاحتطاب من المعصومين، بصورة الضرائب وأخواتها". 

تدخل "المقدسي" أثار غضب "النصرة"، والتي اعتبرته "رأس فتنة وتحريش ويستخدم الإعلام في الطعن والتخوين والكذب حتى أنه يستشهد بكلام الخوارج والمجرمين، ويدافع دون أدنى بينة عن اللصوص وقطاع الطرق".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024