القامشلي: من يُشعل الحرائق؟

المدن - عرب وعالم

الثلاثاء 2019/06/11
التهمت الحرائق محاصيل زراعية في الريف الممتد بين مدينتي المالكية وتربسبيه من ريف القامشلي شمال شرقي الحسكة، وأتلفت حوالي 100 ألف دونم، أغلبها كانت مزروعة بالقمح، بحسب مراسل "المدن" سعيد القاسم.

وبدأت الحرائق في وقت متأخر من مساء الأحد لتستمر إلى عصر الإثنين، في مشاهد أشبه ببرامج الخيال العلمي. إذ ترافقت النيران مع حركة قوية للرياح، مكنتها خلال مدة قياسية من الانتقال عبر مساحات مزروعة أو بيارات الحشائش اليابسة.

وطالت الحرائق المحاصيل في أكثر من ثلاثين قرية، وصلت النيران الى داخل بعضها مثل قرية "كري بري حاجو"، وأجبرت الأهالي على الهرب منها.

وطوّقت النيران مدينة القحطانية "تربسبيه"، وكادت أن تحرقها، لولا قدرة الأهالي على إيقافها. ورجح البعض أن النيران غيرت اتجاهها عن المدينة، بسبب تغيّر حركة الريح نحو ريفها الشمالي الشرقي. وتلبّدت سماء المنطقة من القحطانية إلى كركي لكي، بالغيوم السوداء، وتحول المشهد الأصفر للأرض إلى رماد يابس خلال ساعات.

رد فعل الأهالي كان سريعاً، إذ استنفروا لإخماد النيران. وتعرّض بعضهم لإصابات. الناشطة المدنية هيلين محمد، أكدت لـ"المدن" إصابة قريب لها أثناء محاولته إخماد النار، وأضافت: "للأسف، محاولاته ومحاولات الناس باءت بالفشل، لم نستطع إنقاذ حبة قمح واحدة".

وأصيبت المنطقة بحالة تخبط وتشتت، ولم تنفع الاليات التابعة لمؤسسات "الادارة الذاتية"، على قلتها وضعف إمكانياتها، في إخماد الحرائق.

وانتقد ناشطون اختلاف رد فعل "الإدارة الذاتية" حين اقتربت النيران من آبار النفط إذ شاركت قوات عسكرية في إخماد الحرائق، في حين لم يكترث "التحالف الدولي" و"الإدارة الذاتية" لنداءات الأهالي.

ردّ فعل "الإدارة الذاتية" و"لجان الطوارئ" تجاه الحرائق في مناطقها، اتخذ منحى التخلي عن المسؤولية، إذ أكدت "اللجان" في بيان سابق إنّ "الحرائق مفتعلة تقف وراءها أيادٍ مخرّبة"، ودعت الأهالي إلى "الحذر وحراسة محاصيلهم".

وأصدرت "الإدارة الذاتية" بياناً ناشدت فيه الأهالي مساندة الجهات المختصة بالإطفاء، وطلبت النجدة من قوات "التحالف الدولي" لارسال طائرات لاخماد الحرائق، خشية وصولها إلى المنشآت النفطية قرب مدينة تربسبيه.

الصحافي الكردي عماد يوسف، قال لـ"المدن"، إن ضعف الحالة المدنية والإدارية لدى "الإدارة الذاتية" لعدم استقرارها لغاية الآن، واستمرار أولوياتها العسكرية، يجعل من أي تطور في مناطقها "جزءاً من حالة أمنية أو تحدّ عسكري".

وأضاف: "الحرائق في ظل وجود تحديات أمنية جعلت أصابع الاتهام تكثر، إذ إن اندلاع الحرائق في مناطق عربية على سبيل المثال كانت فرصة لتوجيه الاتهام للأكراد، والعكس صحيح، وكذلك بالنسبة لمحاصيل بعض المزارعين المسيحيين".

وأشار يوسف: "لطالما اشتغل النظام على التخويف من الآخر، ولا نستطيع أن نقول إن أممية الادارة الذاتية نجحت في تجاوز ذلك، فالجميع يحتفظ بنظرة الشك، وتأتي هذه الحوادث لترسخ الحالة القديمة. وربما يكون للنظام هدف باستعادة اللعب على الاحتقانات العنصرية والطائفية، تمهيداً للسيطرة على المنطقة".

ويُحتمل أن تكون العواصف الرعدية التي تزامنت مع اندلاع الحرائق، هي السبب، إلا أن ذلك لا ينفي أيضاً احتمال وجود مخربين يحاولون ضرب النسيج الاجتماعي في المنطقة، كما إن ذلك لا يخلي مسؤولية "الإدارة الذاتية" التي تتوفر على الكثير من الهشاشة والفساد.

ولم تُصدِر القوى الأمنية بياناً حول الحرائق، ولم تعلن عن حصولها على أدلة تثبت تورط شبكات او خلايا تابعة لجهة معينة. والمؤكد أن الحرائق خلّفت حسرة وقصصاً مؤلمة لدى الفلاحين، وستزرع أحقاداً وضغائن كثيرة، ما سيزيد من التحديات الأمنية في منطقة محكومة بالجغرافية المشتركة وتنازع الايديولوجيات.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024