البوكمال على خطى نصيب... المعابر المثقوبة!

مرشد النايف

الإثنين 2019/10/07
الحديث عن استئناف العلاقات التجارية بين سوريا والعراق، يتضمن قدراً كبيراً من تضليل مستدام يمارسه إعلام الممانعة، منذ افتتح معبر البوكمال-القائم قبل أيام. فالتوريدات العراقية المتوقفة مع سوريا، وانتعاش التجارة بين سوريا ودول الجوار، مرهونة فعلياً بتعافي القطاعات الإنتاجية السورية. وتشغيل منفذ بري جديد، لا يعني بأي شكل، ازدحاماً للشاحنات عند النقطة الحدودية.

مع سيطرة نظام الأسد على معبر البوكمال، يرتفع عدد المعابر التي يتحكم فيها إلى 10 من أصل 19 معبراً برياً تربط البلد بدول الجوار؛ 3 مع العراق، 9 مع تركيا، 5 مع لبنان، 2 مع الأردن. ومع كل تلك المنافذ البرية عجز النظام عن ردم فجوة السوق السورية أو تقليصها على الأقل؛ ومردود معبر البوكمال على الاقتصاد السوري، لن يتجاوز فوائد نظيره معبر نصيب الذي يكمل عامه الأول في الخدمة، منتصف تشرين الأول. إذ أنه وبعد عام على افتتاح نصيب، تكاد الحركة فيه أن تتوقف إثر سلسلة قيود فرضها نظام الأسد، ورد عليها الأردن بقيود أشد.

قبل الثورة السورية كان العراق وجهة تصديرية، تتدفق عبر منافذه البرية الثلاثة بشكل نشط ويومي، آلاف السلع ذات المنشأ السوري، إلى درجة حلّ فيها العراق، بعد دول الاتحاد الأوروبي، في قائمة وجهة الصادرات السورية عام 2010.

ويشير تقرير Syria’s Economy Picking up the Pieces الصادر عن معهد Chatham House، أن قيمة الصادرات السورية في العام 2010 بلغت 12.3 مليار دولار، حصة العراق منها 2.3 مليار دولار بنسبة 18.6%.

منذ عام 2011 بدأ التبادل التجاري البيني يتباطأ إلى أن توقف بعد تهديد تنظيم "داعش" لحركة النقل بين 2014-2017. واتسمت العلاقات التجارية السورية-العراقية، خلال السنوات الماضية، بزيارة وفود عراقية إلى دمشق بهدف "تطوير العلاقات الاقتصادية وتوسيع آفاق التجارة والاستثمار بين سوريا والعراق واستمرار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بما يحقق مصلحة الشعبين الشقيقين"، على حد ديباجة رئيس مجلس الوزراء السوري عماد خميس، خلال استقباله وزير التجارة العراقية محمد هاشم العاني، في نيسان/أبريل 2019.

جمود الحركة التجارية لم يفعّل الأطر التنظيمية بين البلدين، مثل "غرفة التجارة السورية العراقية المشتركة"، التي تأسست في 2017 بهدف "تطوير أشكال التبادل كافّة، التجاري والاستثماري والصناعي والسياحي والثقافي والعلمي والزراعي والتكنولوجي"، لكنها بقيت دون نشاط، باستثناء 9 اتفاقيات وقعتها مع فنادق في دمشق وبغداد، من أجل حسومات للأعضاء، مقابل اتفاقية واحدة مع شركة شحن، تمنح أيضا حسومات للأعضاء.

جنوباً، وبعد مرور عام على افتتاح معبر نصيب، لا يمكن تلمس الأثر الاقتصادي للمعبر، الذي شهد فورة حركة عقب افتتاحه العام 2018، لكن ما لبثت أن تراجعت الحركة فيه على وقع اعتقال النظام السوري لمواطنين أردنيين دخلوا سوريا بقصد التجارة، ورافقها حملة تقييد على البضائع الأردنية، وردت عليها عمّان بالمثل.

اشترط الجانب السوري استيراد منتجات أردنية بكميات وأصناف محددة، ونظّم قائمة طويلة بسلع "يحظر استيرادها" لدواعي "حماية الإنتاج الوطني"، وردت عمّان في مطلع أيار/مايو بإصدار قائمة منع تتضمن 194 سلعة بينها، الشاي والزيت وبعض منتجات المصنعات الغذائية مثل لحوم الدواجن والأسماك واللحوم وشملت أيضا أصنافاً من البقوليات والخضار مثل البطاطا والبندورة والفواكه والعصائر وغيرها.

في حزيران/يونيو 2019 وجهت عمّان ضربة قوية للمنتجات السورية، حينما قررت منع استيراد الخضار والفواكه عبر المعابر الحدودية بسبب "احتوائها على متبقيات المبيدات بمستويات عالية وحماية المزارعين المحليين من المنافسة غير العادلة لانخفاض أسعارها"، وفق وزارة الزراعة الأردنية.

ذهب البعض إلى ان واشنطن هي من أوعزت للأردن بوقف التعاون مع نظام الأسد، والإبقاء عليه تحت ضغوط العقوبات.

عمليات التقييد المتبادلة بين الطرفين، تبدت في "تراجع الصادرات الأردنية إلى سوريا بنسبة 70% خلال الربع الأول من العام 2019، رغم عودة الحياة للحدود البرية"، بحسب رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير. فقد تراجعت الصادرات إلى نحو 28 مليون دولار خلال الربع الأول من العام 2019، مقارنة بـ90 مليون دولار للفترة ذاتها من العام 2018.
بيانات دائرة الإحصاء الأردنية، التي توفر بيانات عن حركة التجارة الخارجية حتى نهاية أيلول/سبتمبر، لا تتضمن أية أرقام حول العلاقة التجارية مع سوريا.

الجغبير قال لوكالة الأنباء الأردنية "بترا": "انخفضت الأهمية النسبية للسوق السورية من إجمالي الصادرات الوطنية من 3.8% عام 2011 إلى 0.7% العام 2018". وكانت قيمة التبادل البيني ترقى إلى مستويات 615 مليون دولار في 2010 بحسب صناعة الأردن.

تقلص الاقتصاد السوري وتضاءلت معه الصادرات إلى مستويات 700 مليون دولار العام 2018، وهي حصيلة سلع زراعية خام أو نصف مصنعة؛ من زيت الزيتون والكمون واليانسون وبعض الأحذية والالبسة، والتي وصلت الى 114 دولة، وفق آخر إحصائية أصدرها "اتحاد المصدرين السوري"، قبل أن يلغيه "مجلس الشعب" في حزيران/يونيو، على خلفية ربط الاستيراد بالتصدير.

وجاء إلغاء "اتحاد المصدرين" كتصفية حسابات بين الاتحاد الذي علّق "قرار تعهد إعادة قطع التصدير" في عام 2015، وبين مصرف سوريا المركزي الذي حمّل تعليق القرار مسؤولية خلق فوضى ومكاسب في سوق الصرف. و"قرار قطع التصدير" يقضي بالعمل على اعادة عوائد التصدير وبالسعر الرسمي الذي يحدده المركزي بـ435 ليرة لكل دولار، إلى مصرف سوريا المركزي، لتكون تحت ادارته.

الجانب السوري هندس افتتاح نصيب، ليكون رافداً مالياً لقطاعات عسكرية موالية للنظام، دأبت على اقتسام عوائد الرسوم الجمركية. لكن تشغيل المعبر لم يأت في إطار استعادة سوريا لأسواقها التصديرية التقليدية، بل كان مكسباً سياسياً مؤقتاً، استثمر فيه نظام الأسد بعض الوقت، في حين أن معبر البوكمال يمثّل "جنة استثمارية جديدة"، يزرع فيها النظام الريح ويحصد الهواء.

ثمة اقتصاد مفتت يعيث فيه الفساد في العراق، يستورد ولا يصدّر إلا النفط وبعض التمور، يجاوره اقتصاد منهار في سوريا يئن تحت ضغط الطلب المحلي المتزايد. وفتح المعبر، بهذا المعنى، قد يوفر فقط على إيران تكاليف نقل العتاد والمؤن إلى حليفها في دمشق، لكنه لن يُحيي ميتاً، إذ أن أزمة الاقتصاد السوري في الإنتاج لا في التصدير.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024