إيطاليا - فرنسا: الأزمة الأكبر منذ الحرب العالمية

المدن - عرب وعالم

السبت 2019/02/09
امتنعت المفوضية الأوروبية عن التعليق على الأزمة الدبلوماسية المتفجرة بين باريس وروما. واعتبر المتحدث باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي، أن ما يحدث يُعدُّ "مسألة ثنائية" بين دولتين لا يمكن لبروكسل التدخل فيه.

ونفى المتحدث باسم المفوضية أن يكون غياب رئيسها جان كلود يونكر، عن جلسة البرلمان الأوروبي، الثلاثاء المقبل، والتي سيتحدث فيها رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي حول مستقبل أوروبا، إشارة على موقف "سلبي" من بروكسل ضد روما.

دي مايو

دافع نائب رئيس وزراء إيطاليا لويجي دي مايو، عن لقائه مع قادة من حركة "السترات الصفر" في فرنسا قبل أيام، وسط تصاعد الأزمة بين البلدين إلى حدود غير مسبوقة. وفي رسالة إلى صحيفة "لوموند" الفرنسية اتهم دي مايو، التيارين اليميني واليساري في الحكومة الفرنسية، بانتهاج سياسات ليبرالية "زادت من انعدام أمن المواطنين وتراجع كبير في قدرتهم الشرائية". وقال "لهذا السبب أردت لقاء ممثلين عن السترات الصفر لأنني أؤمن ان مستقبل أوروبا السياسي لا يتوقف على أحزاب اليمين أو اليسار أو ما يعرف بأحزاب جديدة، تتبع في الواقع التقاليد".

ودي مايو هو زعيم "حركة خمس نجوم" الشعبوية اليمينية المناهضة للمُهاجرين. وقد أثار لقاؤه قادة من "السترات الصفر" الغضب في باريس، التي اعتبرته "استفزازاً إضافياً ومرفوضاً". وكان دي مايو، قد قال بعد لقائه قادة "السترات الصفر": "رياح التغيير تخطت جبال الألب.. أكرر: رياح التغيير تخطت جبال الألب".

وبالتزامن مع تصريحات دي مايو، أعرب زميله نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية الإيطالية ماتيو سالفيني، عن أمله في أن يتحرر الشعب الفرنسي قريباً من "رئيس سيئ للغاية".

حكومة شعبوية

بدأت الهجمات الكلامية على فرنسا، منذ الصيف الماضي، بعد فوز "حركة خمس نجوم" بزعامة دي مايو، و"حزب الرابطة" بزعامة سالفيني، في الانتخابات الإيطالية، وتشكيل حكومة شعبوية يمينية تُشكك بجدوى الاتحاد الأوروبي.

وعندما منعت إيطاليا السفن التي تنقذ مهاجرين من الرسو في الموانىء الإيطالية، هاجم ماكرون الحكومة الإيطالية بوصفها "غير مسؤولة"، واصفاً تصاعد النزعة القومية لليمين المتطرف فيها بـ"الآفة".

ومع اقتراب استحقاق تجديد مقاعد البرلمان الأوروبي، في أيار/مايو 2019، صعّد المسؤولون الإيطاليون من هجماتهم على الرئيس الفرنسي.

باريس تستدعي سفيرها 

المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية قالت في بيان: "فرنسا تتعرض منذ أشهر لاتهامات متكررة وتهجم لا أساس له وتصريحات مغالية يعرفها الجميع". وتابعت: "هذا أمر غير مسبوق منذ نهاية الحرب (العالمية الثانية).. التدخلات الأخيرة تشكل استفزازا إضافيا وغير مقبول".

وقالت الوزيرة الفرنسية المكلفة بالشؤون الأوروبية ناتالي لوازو، إن قرار استدعاء السفير الفرنسي يعني أن "وقت الجد قد حان". وقالت لإذاعة "كلاسيك"، "ما أراه هو إيطاليا تشهد ركوداً اقتصادياً وتواجه صعوبات. لست مسرورة لذلك لأن هذا البلد شريك مهم لفرنسا لكني أظن أن المهمة الأولى لأي حكومة هي الاهتمام برفاهية شعبها". وحذرت من أن لقاءات العمل وتبادل زيارات مسؤولين بين البلدين غير واردة حاليا.

وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، لإذاعة "أوروبا 1"، الجمعة، إن "هذا الاجراء مؤقت لكن كان من المهم أن نعلن موقفنا". وأضاف أن على دي مايو، ووزير الداخلية ماتيو سالفيني، معالجة مشاكل إيطاليا، بدلا من توجيه انتقادات إلى الرئيس إيمانويل ماكرون. وأضاف: "لم تمنع التصريحات التي أدلى بها لويجي دي مايو وماتيو سالفيني إيطاليا من مواجهة ركود اقتصادي". وتابع "المهم بالنسبة لي هو تحسن أوضاع المواطنين في أوروبا ومواجهة النزعة القومية والشعبوية وانعدام الثقة بأوروبا".

الصحافة الايطالية

صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية قالت إن "استدعاء السفير الفرنسي في روما للتشاور هو مؤشر الى أزمة غير مسبوقة في العلاقات" بين البلدين. واعتبرت أنه "أمام الانتقام الفرنسي الذي يقدم على طبق بارد، لا يمكننا أن نفعل الكثير لأننا الآن أكثر عزلة مما كنا عليه في الإطار الأوروبي-الأطلسي".

ورأت صحيفة "لا ستامبا" في افتتاحيتها أنه "يمكن القول إن التصعيد الذي أدى إلى استدعاء باريس للسفير الفرنسي وفتح أكبر أزمة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا منذ إعلان الحرب في 1940، كانت متوقعة إلى حدّ ما نظراً لإصرار حركة خمس نجوم على التقرب من السترات الصفر".

صحيفة "كوريري ديلا سيرا"، قالت "في أسبوع واحد فقط، أطلقنا أزمة دبلوماسية مع فرنسا ودمرنا التعاضد الأطلسي حول فنزويلا. ماذا يجري؟ أين تذهب إيطاليا؟ الحقيقة هي أننا لا نعلم. كل شيء يحصل بشكل عشوائي، من دون استراتيجية".

وأضافت: "لدى إيطاليا الكثير لتخسره في هذه المواجهة بسبب وضعها لنفسها في موقع عزلة متعجرفة في وقت تتوثق فيه العلاقات بين باريس وبرلين أكثر فأكثر".

الانتقام الفرنسي

وكانت مصادر صحافية إيطالية، قد أفادت بأن شركة الخطوط الجوية الفرنسية "إير فرانس" سحبت عرض شراكة لإنقاذ الخطوط الجوية الايطالية "أليطاليا" المتعثرة مالياً، نظرا للأزمة السياسية الراهنة، لأسباب "سياسية ومؤسسية"، بعد قرار الحكومة الفرنسية استدعاء سفيرها من روما. وسيُعقِّد ذلك البحث عن شريك صناعي لهيئة السكك الحديدية الايطالية في عملية إعادة إطلاق أليطاليا.

وقالت مصادر من وزارة الداخلية الإيطالية، إن فرنسا عدّلت عن رأيها، ولم تعد تريد استقبال حصتها من مهاجري سفينة "سي ووتش". وأضافت المصادر أن "باريس ستأخذ من مجموعة الـ47 شخصاً التي تم إنزالها من السفينة في كاتانيا في 31 كانون الثاني/يناير الماضي، فقط الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الإنسانية وليس المهاجرين لأسباب اقتصادية".

ماذا يريد سالفيني؟

يحاول سالفيني حشد جبهة أوروبية يمينية لمواجهة مؤيدي الاتحاد الأوروبي، وفي طليعتهم الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، في الانتخابات الأوروبية المقبلة.

وكان سالفيني قد بدأ الحرب مع باريس، نهاية كانون الثاني، عندما قال إن فرنسا لا ترغب في تهدئة الأوضاع في ليبيا التي يمزقها العنف "بسبب مصالحها في قطاع الطاقة". وأضاف: "في ليبيا.. فرنسا لا ترغب في استقرار الوضع، ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا".

وجاء تصريح سالفيني، مباشرة بعد اتهام دي مايو، لباريس بإشاعة الفقر في أفريقيا والتسبب في تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أوروبا. وأضاف: "لو لم يكن لفرنسا مستعمرات أفريقية -وهذه هي التسمية الصحيحة- لكانت الدولة الاقتصادية الـ15 في العالم، بينما هي بين الأوائل بسبب ما تفعله في أفريقيا".

وتابع أن فرنسا واحدة من الدول التي تمنع التطور وتساهم في رحيل اللاجئين لأنها تطبع عملات 14 دولة أفريقية، مضيفا أنه إذا أرادت أوروبا أن تتحلى "ببعض الشجاعة"، فعليها أن تتخذ قرار العمل على إنهاء "الاستعمار في أفريقيا".

إلا أن سالفيني، عاد واتخذ موقفاً مهادناً الخميس، وأضاف أنه سيكون مسرورا إذا التقى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبحث التوتر الذي حدث مؤخراً. سالفيني قال إنه يريد إعادة العلاقات مع باريس إلى طبيعتها، لكن على فرنسا معالجة ثلاث قضايا "أساسية": على الشرطة الفرنسية التوقف عن صد المهاجرين ودفعهم للعودة إلى إيطاليا، ووقف عمليات الفحص المطولة التي تجريها على الحدود مما يعرقل حركة المرور هناك. وأضاف أن على باريس أيضا تسليم نحو 15 متمردا يساريا إيطاليا اتخذوا من فرنسا ملاذا خلال العقود الماضية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024