محاولات اغتيال "جزار بانياس"..مسلسل مملّ بإخراج إيراني

مصطفى محمد

الأربعاء 2020/09/09
لا جديد في الأنباء التي تشير إلى تعرض معراج أورال/علي كيالي، لمحاولة اغتيال جديدة في ريف اللاذقية الشمالي. ففي كل عام تقريباً، تعلن ما تُعرف ب"الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندورن" عن تعرض قائدها أورال لمحاولة اغتيال فاشلة، ومن ثم يغيب اسمه عن التداول الإعلامي، بانتظار محاولة اغتيال جديدة.

باستثناء إعلان "حركة أحرار الشام" عن استهدافها لمكان تواجد أورال بالمدفعية، في العام 2016، لم تعلن أي جهة أخرى حتى الآن، مسؤوليتها عن محاولات الاغتيال المتكررة، خصوصاً تركيا المتُهم الرئيس.

يجادل مراقبون حول دقة الأنباء عن محاولات الاغتيال المفرطة لأورال، لكنهم يتفقون على أن قوته في أنه ورقة ثمينة بيد النظام السوري وإيران ضد تركيا.

رغم وصوله الى سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي، فاراً من أحد السجون التركية، لم يُعرف إلا بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011، وذلك بعد مساندته ومليشياته قوات النظام السوري في اقتحام المناطق التي تشهد حراكاً ضد الأسد. ثم شاع اسمه بعد مشاركته في مجزرة قرية البيضا التابعة لمدينة بانياس بمحافظة طرطوس، في العام 2013، المجزرة التي ارتكبتها مليشيات طائفية "علوية"، راح ضحيتها ما يزيد عن 70 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، ولُقب على إثرها ب"سفاح بانياس".

تقول مصادر تركية إن أورال بدأ منذ العام 2011، بتجنيد الشباب الأتراك من الطائفة العلوية من مدينة أنطاكيا وما حولها، لإرسالهم للقتال إلى جانب النظام السوري، في الساحل السوري.

أورال المولود لعائلة علوية من مدينة أنطاكيا (إقليم هاتاي، الاسكندرون) في العام 1956، كان له نشاط بارز في العمليات التي استهدفت الجيش التركي في سبيل إعادة لواء اسكندورن إلى سوريا، وتتهمه تركيا بتأسيس تنظيمات "متطرفة" يسارية، كما يُتهم بتفجير القنصلية الأميركية في ولاية أضنة في الثمانينيات.

اعتقلته السلطات التركية في العام 1987 لضلوعه في عملية التفجير، وتمكن من الفرار بعد عامين من اعتقاله، بعد دفعه مبالغ مالية لأحد أفراد حامية السجن.

علي كيالي
الجبال الوعرة والغابات الكثيفة على الحدود السورية- التركية أمنت لأورال ملاذاً آمناً لمواصلة نشاطه، إلى أن تلقفه نظام الأسد، وأمّن له الرعاية والدعم لمواصلة نشاطه ضد تركيا، بعد وصوله إلى الساحل السوري في العام 1982.

كان لجميل الشقيق الأصغر لحافظ الأسد، دور بارز في احتضان أورال الملاحق من تركيا، حيث تؤكد مصادر متطابقة، أن جميل رتّب إجراءات منحه الجنسية السورية، ليتحول من معراج أورال إلى علي كيالي.

يقول الكاتب المختص بالشأن التركي، محمود عثمان، في مقال له، إن جميل الأسد رتّب لكيالي الارتباط بامرأة تربطها قرابة بآل الأسد، بعد أن أوكل إليه إدارة تجارة وتهريب الممنوعات (المخدرات)، غير أن مصادر أخرى تؤكد أن مهمة كيالي كانت صلة الوصل بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني.

في أحد أيام العام 2013، استفاقت مدينة الريحانية التركية الحدودية على تفجير مروع، أودى بحياة ما يزيد عن 50 مدنياً، وكذلك قاد إلى موجة من أعمال الشغب ضد السوريين وأملاكهم في المدينة، وبعد فترة وجيزة اتهمت تركيا كيالي بالمسؤولية المباشرة عن التفجير.

وفي عام 2018، طالبت تركيا روسيا بتسليمها كيالي، الذي كان مشاركاً في "مؤتمر الحوار الوطني السوري" الذي عُقد في منتجع "سوتشي" الروسي المطل على البحر الأسود، لكن موسكو تجاهلت مطلب أنقرة.

الإعلان عن محاولة اغتيال كيالي الأخيرة، الأحد الماضي، في كسب بريف اللاذقية، والمحاولات الأربع السابقة، له أكثر من تفسير، الأول أن كيالي يحيط نفسه بحراسة أمنية مشددة، ويتحرك على قدر كبير من السرية، لكن الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، النقيب رشيد حوراني، يعتبره تفسيراً على درجة كبيرة من الضعف، نظراً لأنه لدى الجهة المستهدفة له (تركيا)، قدرات استخباراتية كبيرة.

وقال ل"المدن": "قامت تركيا بعمليات استخباراتية خارج حدودها، واعتقلت شخصيات أهم من كيالي"، مضيفاً: "يريد كيالي أن يصور الأمر، وكأنه عصي على كل محاولات الاغتيال".

وفي هذا الصدد أشار حوراني إلى إعلان  تركيا، الثلاثاء، القبض على أرجان سليمان بيط، أحد المسؤولين عن الهجوم الذي استهدف مدينة الريحانية التركية عام 2013، حيث تمكنت الاستخبارات التركية من إلقاء القبض على بيط، في عملية نوعية داخل الأراضي السورية، ونشرت وسائل إعلام تركية صوراً له وهو يحمل بطاقة شخصية صادرة عن أجهزة النظام الأمنية.

أما التفسير الثاني، الذي يطرحه الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد عبد الله الأسعد، يشير إلى توظيف الأنباء عن محاولات الاغتيال التي يتعرض لها كيالي، في إطار الرسائل بين الأطراف الإقليمية الفاعلة في الشأن السوري.

ويوضح ل"المدن"، أن "كيالي على درجة كبيرة من التنسيق مع إيران، ورسالة محاولة اغتياله الأخيرة، التي تأتي متزامنة مع وصول تركيا وروسيا إلى درجة عالية من التفاهمات حول الملف السوري، وكذلك مع زيارة الوفد الروسي لدمشق، تذكيرية بأن لدى طهران أوراق قوة كثيرة، ومن بينها كيالي، لأنها ترى أنها الخاسرة الأكبر من تفاهمات أنقرة وموسكو".

وهنا، يلفت الأسعد، إلى الشعبية الكبيرة لكيالي في تركيا، وتحديداً بين أبناء الطائفة العلوية في جنوب شرق تركيا، وينهي بقوله: "ترسل إيران رسائل للتشويش على المحادثات التركية- الروسية، والزعم الأخير عن محاولة اغتيال فاشلة أخرى لكيالي، في هذا التوقيت، واحدة من الرسائل الاستعراضية".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024