"طرش الدم":إدارة ذاتية..أم العودة بالسويداء إلى ما قبل الدولة؟

همام الخطيب

الأحد 2017/05/28
وقّع عدد من وجهاء السويداء، بدعوة من عميد آل نعيم في المحافظة الشيخ أبو أدهم طلال نعيم، وثيقة عشائرية لمحاسبة المتورطين بعمليات الخطف والقتل والاعتداء على الأعراض والممتلكات في السويداء. وبدأت اللجان المُكلّفة عملها بجمع تواقيع عائلات الجبل، الجمعة؛ وتعتبر كل عائلة موقعة على هذه الوثيقة مشاركة بالحكم الذي سيصدر من "اللجنة العشائرية" المفوضة باستصدار الأحكام، ولاسيّما أحكام الإعدام. وبهذه الطريقة تكون جميع العائلات الموقعة مشاركة بالقرار، وهو ما يمنع حالات الثأر من قبل ذوي الضحية التي سينفذ بها حكم الإعدام، بحسب زعم القائمين على الوثيقة.

ويرى ناشطون أن الوثيقة هي إمتداد لمفرزات اجتماع "باب الشمس"؛ الذي عقد في مطعم "باب الشمس"، الخميس 13 نيسان/ أبريل، وحضره "الأمين القُطري" المساعد لـ"حزب البعث" هلال هلال، ورؤساء الفروع الأمنية في السويداء، وشيخ عقل الطائفة الدرزية حكمت الهجري، ووجهاء من المحافظة.

وأدار الاجتماع رئيس فرع "الأمن العسكري" العميد وفيق ناصر، وطالب وجهاء المحافظة بـ "رفع الغطاء عن المطلوبين للأجهزة الأمنية كلٌّ حسب عائلته"، وقال ناصر: "إنه جهّز أسماء المطلوبين، وسيرسلها بظرف مختوم لكل وجيه من عائلات الجبل".

وفي نهاية الاجتماع، كلّف العميد ناصر، والأمين القُطري هلال، أعضاء مجلس الشعب في السويداء، بالتواصل مع "الهيئات الاجتماعية" في المحافظة، لتشكيل ثلاث هيئات في مدن السويداء وشهبا وصلخد، ثم تشكيل لجنة مصغرة من هذه الهيئات الثلاث للتواصل والربط مع الأجهزة الأمنية.

وهذا ما رأى فيه الناشطون محاولة من قبل الأجهزة الأمنية لتشكيل إدارة ذاتية ما قبل وطنية، تكون تابعة للأجهزة الأمنية، وتقوم بدورها في سحب سلاح المتمردين على تلك الأجهزة وملاحقة المعارضين. فتلك الزعامات التقليدية، الدينية والاجتماعية، مرتبطة بالأجهزة الأمنية، التي عومتها وسيّدتها، وأعادت تدويرها من جديد، لتمسك بمفاصل المجتمع والحركات المتمردة فيه.

وثيقة "طرش الدم" جاءت على خلفية اختطاف مساعدة التخدير في مستشفى السويداء سماح جميل قطيش، في 17 أيار/مايو. حينها، قامت مجموعة من الشباب باختطاف الفتاة، واقتيادها إلى بلدة الكفر، حيث احتجزت في أحد البيوت، ومن ثم قامت إحدى النساء والمقربة من العصابة التي اختطفتها بإطلاق سراحها. قطيش، كانت قد تعرضت لطعنات بأداة حادة دخلت على إثرها المستشفى.

لكن المستهجن في الأمر، بحسب متابعين للملف، هو كيفية اختطاف الممرضة في وضح النهار ومن منطقة تعد الأكثر ازدحاماً في مثل هذا التوقيت؛ فالمستشفى تعج بالمراجعين والمرضى والزوار وعناصر أمن المستشفى. إضافة إلى الكثير من الأسئلة حول عملية الاختطاف وأسبابها وحادثة إطلاق سبيل المخطوفة وكيفية التعرف على المتهم في ما بعد، وغيرها من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات لاستكمال فهم حيثيات الملف. وهذه الأسئلة تحتاج أيضاً إلى فتح تحقيق من قبل محققين مختصين وهو ما يؤمنه القضاء والمسلك القانوني.

وهذا ما طرحه البيان الذي خرج عن عائلة "نكد" التي ينتمي إليها المتهم بحادثة الاختطاف علاء أيمن نكد. بيان العائلة أكد على أنها مع المسلك القانوني وسلطة القضاء، وطالب بتحقيق رسمي في هذه القضية. وجاء بيان العائلة ردّاً على الاجتماع الذي حدث في "دار الإمارة" في بلدة عرى في محافظة السويداء، الأحد 21 أيار/مايو، وحضره وجهاء من المحافظة، وشيخا العقل حمود الحناوي ويوسف جربوع. وقال الأمير جهاد الأطرش، خلال هذا الاجتماع، بحسب أحد الحضور، إنه بعد الحصول على التفويض من قبل مشايخ العقل ووجهاء الجبل، ستجري محاكمات شعبية عاجلة للمتهمين أمام الحضور، وستنزل بهم عقوبة الإعدام الميداني، في دار الإمارة في بلدة عرى. وهدد الأمير أي جهة تقف بوجه هذا القرار، إذ ستعتبر شريكاً متورطاً في عمليات الخطف، خاصة خطف ممرضة التخدير سماح قطيش والتي فوضت عائلتها الأمير، بمتابعة القضية واتخاذ القرار المناسب.

بعض الشخصيات، والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي المقربة من الأجهزة الأمنية، أثنت على قرار الأمير جهاد الأطرش، واعتبرته أداة ردع للجريمة، فيما رأت فيه شريحة كبيرة من أبناء السويداء، سلوكاً عشائرياً منافياً لطبيعة المحافظة "المدنية"، وهو سلوك يعود إلى مجتمع ما قبل الدولة، ويرمي به في أحضان العشيرة، وبالتالي هو مرفوض بالمطلق. وعبّر ناشطون قانونيون، لـ"المدن"، عن رفضهم لهذا السلوك، واعتبروه إهانة للقضاء وانقضاضاً عليه وتهميشاً لدوره، معتبرين أن القضاء هو الجهة المخولة والوحيدة للبت بهذه الأمور، وأكدوا أنهم لن يسمحوا بتهميش دور المؤسسات القانونية التي طالما دافعوا عنها، وطالبوا باستقلاليتها وسيادتها.

ورأى ناشطون محليون في وثيقة "طرش الدم" أنها فعل أمني بامتياز؛ يهدف إلى ضرب السلم الأهلي في المحافظة عبر خلق ثنائيات ضدية في المحافظة بين راغب في القرار ورافض له. وهو ما قد يفتح الباب لاحقاً لمحاصرة الأصوات المعارضة لسلطة الأسد، وإباحة دمها وهدره من دون تحقيق قضائي أو وجود محام دفاع عن المتهم، الذي قد يلفق له تهمة لم يقم بها، وهو ما سيساهم بتفتيت المجتمع وتذريره وتطاحنه. وتشكلت هذه القناعة تبعاً للمعرفة بارتباط الزعامات بأجهزة الأمن، وأنها تعمل وفق أجندتها وسياساتها. ومن ناحية أخرى، ففيها تثبيت لزعامات تقليدية تابعة للقوى الأمنية ومحاولة لإعادة تدويرها بعدما تجاوزها المجتمع ووأدها معنوياً. وهذا ما يريح النظام من الإدارة المباشرة، لتتشكل بذلك إدارة ذاتية تابعة له، تعمل بتوصياته، من دون أن تكون أجهزته الأمنية في الواجهة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024