روسيّا في السويداء: الصراع على النفوذ مع إيران؟

همام الخطيب

الإثنين 2017/06/26
زار وفد روسي على رأسه العقيد أحمد واللين، وطبيبين، برفقة مسؤولين من محافظة السويداء منهم المحافظ عامر العشي، الأحد، مخيم الإقامة المؤقتة "معسكر الطلائع" في بلدة رساس جنوبي السويداء. ووزع الوفد 500 حصة من المساعدات الغذائية على أسر النازحين المقيمة في المعسكر، إضافة إلى معاينة الأطباء للمرضى فيه.

زيارات الوفود الروسية لم تنقطع إلى السويداء، وكان قد عُقد اجتماع في المركز الثقافي في مدينة السويداء، في 2 نيسان/أبريل، ضمَّ مندوباً عسكريّاً روسيّاً ومسؤولين أمنيين وعسكريين ممثلين عن النظام وعدداً من الأهالي والفعاليات في المحافظة. وأعلن في الاجتماع عن البدء في تشكيل جسم عسكريّ جديد في المحافظة له امتيازات مختلفة عن تلك المعطاة لقوات النظام والمليشيات الرديفة. ويبلغ راتب المتطوع في هذا الجسم العسكري المُحدَث 200 دولار أميركي، في حين يحصل المتطوع في قوات النظام على راتب شهري يتراوح ما بين 70 إلى 90 دولاراً، بحسب الرتبة والمهمة. هذا بالإضافة إلى الضمان الصحي للمتطوعين وحساب سنوات الخدمة إن كان فارين من قوات النظام. الأمر الذي أثار موجةً من السخط لدى بعض الحاضرين عن سوء أحوال قوات النظام، من حيث الرواتب وإهمال مصابي الحرب وأسر الشهداء على حسب وصفهم، وكذلك عن الفائدة المرجوة من فصيل ذي امتياز داخل المؤسسة العسكرية، ولمَ لا تشمل هذه الإصلاحات والامتيازات المؤسسة العسكرية برمتها وتبقى حكراً على هذا الفصيل المزعوم؟

ويرى ناشطون في هذه الخطوة الجديدة "ضربة استباقية" لما كثر الحديث عنه مؤخراً من تعاون أميركي-أردني-اسرائيلي في الجنوب. ومن جهة أخرى قد يغري هذا العرض كماً كبيراً من الشباب الممتنعين عن أداء الخدمة العسكرية في قوات النظام والذي بلغ عددهم أكثر من 25 ألف مُتخلِّف عن أداء الخدمة الإلزامية والاحتياطية في السويداء. بينما يرى آخرون أن هذه الخطوة تأتي في سياق تنافس الاحتلالات في سوريا.

زيارات الوفود الروسيّة إلى السويداء بدأت منذ العام 2016، وشملت مدن وقرى القريا وشهبا وعرى وشقا. بالإضافة إلى زيارة المشافي الحكوميّة ومراكز إيواء النازحين. وغالباً ما رافق هذه الوفود الروسية ممثلون عن الحكومة وعن "حزب البعث"، وسط غيابٍ لعناصر الميليشيات الذين غالباً ما كانت توكل إليهم مهمّات توزيع المساعدات الإنسانيّة. وتوزّع خلال هذه الزيارات السلل الغذائيّة على الأهالي وعلى النازحين، غالباً بحضور الإعلام، ومن ثمَّ يقوم المحافظ بإلقاء كلمةٍ مقتضبةٍ يشرح فيها دور روسيا في مواجهة "الإرهاب" ومناصرة القيادة "الحكيمة"، وهو الذي كان قد وصف روسيا بأنّها "دولة شقيقة". وهذه الزيارات منبثقةٌ عن مركز التنسيق الروسيّ في المنطقة الجنوبيّة المرتبط بـ"حميميم" مباشرةً، والذي ينسّق بدوره مع قيادة "حزب البعث" في المحافظة المتمثّلة باللواء ياسر الشوفي، وفرع "الأمن العسكريّ" بقيادة العميد وفيق ناصر، وقائد شرطة السويداء اللواء فاروق عمران.

وتهدف روسيا من خلال تلك الزيارات المترافقة مع توزيع المساعدات إلى خلق "ألفةٍ" بينها وبين الأهالي في السويداء، تمهّد لقبولها لاحقاً كقوةٍ موجودةٍ على الأرض. ومن جهةٍ أخرى تحرص "قيادة حميميم" على أن تكون هذه النشاطات برفقة شخصيّاتٍ تمثّل "الدولة" في محاولةٍ منها لتصنيع هيبةٍ لتلك الدولة، بعدما تغوّلت المليشيات المدعومة إيرانيّاً عليها وابتلعتها. تلك المليشيات التي تحوّلت إلى "مافيا" تقتل وتسرق وتُهرِّبُ السلاح والمخدّرات علناً من دون حسيبٍ أو رقيب، إضافةً إلى ضلوعها في عمليّات الخطف والخطف المضادّ بين درعا والسويداء، وهي الظاهرة التي أصبحت تهدّد السلم الأهليّ في المحافظتين.

وتأسّست شبكة منظّمة من تلك المليشيات، تقوم على الإتجار بالبشر، وهو ما تستثمر فيه القوى الأمنيّة لرفد إستراتيجيّتها العامّة الهادفة إلى تفتيت المجتمع وضرب بناه الاجتماعيّة. وأهمّ تلك المليشيات في السويداء هي "الدفاع الوطنيّ" بقيادة رشيد سلوم، الذي حظي بتكريم روسيا في خطوةٍ منها لاستمالته، وقد تكون خطوةً تمهيديّةً لحلِّ مليشياه لاحقاً. وترافق هذا التكريم مع تحميل الكثير من الموالين والمسؤولين الأمنيّين والحزبيّين مليشيا "الدفاع الوطنيّ" وقائدها سلوم، مسؤوليّة الفوضى والانفلات الأمنيّ في المحافظة. وترافق ذلك مع الإعلان عن تشكيل "الفيلق الخامس"، ما يوحي بأنّ روسيا ستستخدم سياسة "العصا والجزرة" مع المليشيات كخطوةٍ باتجاه تفكيكها، ومن ثمّ ترويضها.

"المصالحات" التي حدثت في السويداء في أيلول/سبتمبر 2016، جاءت بتوجيهاتٍ من "مركز تنسيق المصالحات" في حميميم، وتهدف إلى إعادة عناصر المليشيات الذين تمردّوا على النظام إلى بيت الطاعة، خاصة العاملين وفق "تعاقدٍ مدنيٍّ" مع فرع "الأمن الجويِّ" المدعوم إيرانياً، والذين باتوا آلة الفساد في المحافظة وأصبحوا يعملون لحسابهم، غالباً، من دون التنسيق مع الأجهزة الأمنيّة التي كانوا يعملون لحسابها. وقد أشرف على تلك "المصالحات" فرعا "حزب البعث" و"الأمن العسكريّ" في المحافظة، إذ كانت الدعوة إلى "المصالحة" من اختصاص "حزب البعث" بينما توقّع "التسويات" في فرع "الأمن العسكريّ". كما شمل نصُّ "المصالحة" المُعلن المعارضة والمتخلفين عن الخدمة الإلزاميّة والاحتياطيّة في محاولةٍ لإظهار ما تبقى من مؤسّسات الدولة على أنّها لا تزال قادرةً على ضبط الفوضى واحتضان رعاياها، وعلى أنّها تسعى إلى تحقيق السلم الأهليّ في المجتمع، ومن ثمَّ إعادة تدويرها وتصنيع هيبتها. تلك "المصالحات" وضعت المعارضين في سلّة الخارجين على القانون؛ فنصُّ "التسوية" شمل المجرمين والمعارضين السلميّين المدنيّين من دون تمييزٍ بينهم. ما دفع المعارضون في السويداء إلى أن ينظروا إلى تلك "التسويات" على أنّها مذلةٌ وتحطّ من كرامتهم، إضافة إلى أنّهم رأوا فيها مصيدةً تنسج حبالها سلطة النظام وتهدف من خلالها إلى كسر شوكتهم وإخضاعهم وحرقهم اجتماعيّاً عبر وضعهم في سويةٍ واحدةٍ مع المجرمين واللصوص و"الشبيحة" الذين طالما نكّلوا بهم.

وقد تهدف روسيا من ذلك إلى تحجيم المليشيات المدعومة إيرانيّاً في المحافظة؛ كـ"الدفاع الوطنيّ" و"جمعيّة البستان" التي يقودها أنور الكريدي و"حزب الله" السوريّ و"الحزب القوميّ السوريّ" الذي يقوده باسم رضوان. ومن جهةٍ أخرى، تسعى روسيا إلى سحب ورقة "حماية الأقليّات" من يد إيران التي طالما استثمرت فيها بالشراكة مع النظام. ويأتي هذا في سياق صراع النفوذ الخفيّ بين الدولتين المحتلّتين؛ إيران وروسيا، على كامل التراب السوريّ. وأيضاً تهدف من وراء هذا إلى تصنيع هيبة "الدولة" السوريّة، لتثبيت شرعيتها في سوريا؛ كون تلك "الدولة" تمنحها شرعيّة التواجد على الأراض السوريّة بعدما استدعتها بشكلٍ رسميٍّ في العام 2015، ما يمنح شرعيّةً للعقود والاتفاقيّات العسكريّة والاقتصاديّة التي وقّعتها معها.

لذا تحرص روسيا على ألّا يظهر ما تبقى من الدولة السوريّة على أنّه "فاقد الأهليّة"، ومن ثمَّ فإنّ ما يصدر عن تلك المؤسّسات من قراراتٍ واتفاقاتٍ تكون ملزمةً، حتى إن رحلت سلطة الأسد . إضافة إلى أنّ ما تتبعه روسيا في هذا الخصوص يبدو، عند شريحةٍ ليست بالقليلة في المجتمع، وكأنّه خطوةٌ في مواجهة الفوضى الناجمة عن انفلات المليشيات وامتهانها للجريمة المنظّمة التي باتت تنذر بكارثةٍ تهدّد المجتمع في محافظة السويداء. والسعي إلى مواجهة الفوضى هو مطلبٌ ملحٌّ يحظى بإجماعٍ شعبيٍّ في المحافظة. وهذا ما يزيد من رصيد روسيا تدريجيّاً في مجتمعٍ ينتظر "قشّة النجاة" مهما كان الأمل ضعيفاً. وهو ما يحقّق، بحسب اعتقاد روسيا، "الألفة" التي تسعى إليها.

وعلى الرغم من أنّ روسيا تحاول إظهار وجهها الحسن في السويداء من خلال حثّ السلطات على عقد "المصالحات" ولجم المليشيات وضبط الفوضى وتصنيع هيبة الدولة، إلا أنّ هناك شريحةً واسعةً من أهالي السويداء باتوا ينظرون إلى التواجد الروسيّ في المحافظة بعين الريبة وعلى أنّه قوّةُ احتلال، وأنّ ما تفعله روسيا ليس دافعه مساعدة الدولة على استرداد عافيتها، بل هدفه السيطرة عليها والتحكّم بقراراتها لاحقاً. والمؤشّرات على هذا بدأت تظهر منذ زيارة الوفد الروسيّ الذي كان على رأسه العقيد يوري زمانوف، إلى بلدة القريا، مسقط رأس قائد الثورة السوريّة الكبرى سلطان الأطرش، وتوزيعه المساعدات داخل "مضافته" التي لها رمزيّةٌ وطنيّةٌ عند أبناء المحافظة والسوريّين عموماً. ولاقت هذه الزيارة استنكاراً واسعاً من قبل الأهالي في السويداء، لما رأوا فيها من استهانةٍ برموزهم الوطنيّة واستهزاءٍ من تاريخهم الوطنيّ النضاليّ. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024