تيران وصنافير: مجلس الدولة يكسب جولة ضد الدولة

محمد أبوزيد

الثلاثاء 2017/01/17

"مصر ليست نقطة في خريطة الكون، أو خطوطاً رسمها خطاط، ولكنها بلد قديم خلقه الله من رحم الطبيعة، وجيش مصر لم يكن أبداً جيش احتلال، وأنه قد وقر واستقر في عقيدة المحكمة أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها". ما إن نطق نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس الدائرة الأولى في المحكمة الإدارية العليا القاضي أحمد الشاذلي بهذه الكلمات، حتى انفجرت القاعة بالتصفيق والتهليل والتكبير.

إنتقلت حالة الفرحة والتشفي بالنظام وأنصاره وإعلامييه، المدافعين عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، إلى صفحات "السوشيال ميديا"، فالحكم التاريخي -هكذا وصف- الذي أصدرته أعلى محكمة إدارية في مصر، يقضي نهائياً وبشكل قاطع بأحقية مصر في السيادة على جزرها. وظهرت دعوات لمحاكمة كل من دعا، أو إدعى، أو قال، أو نشر وثائق مزيفة تثبت أن الجزيرتين سعوديتان، بتهمة الخيانة العظمى والتفريط في التراب الوطني.


مجلس النواب: الجزيرتان سعوديتان
قبل شهرين لم يكن مجلس النواب طرفاً رسمياً في معركة ترسيم الحدود مع المملكة، ولكن قبل نهاية 2016 بيوم واحد، واستباقاً لحكم "الادارية العليا" أحالت حكومة شريف اسماعيل الإتفاقية إلى البرلمان، لتلقي بالكرة في ملعبه.


عقب ساعات قليلة من صدور الحكم النهائي، سادت أجواء من الارتباك والصمت والصدمة في معسكر النواب والإعلاميين المؤيدين لتسليم الجزيرتين إلى السعودية، لكن هذه الحالة سرعان ما تحوّلت إلى هيجان وتنديد بحكم مجلس الدولة. ووصل الأمر برئيس مجلس النواب علي عبدالعال، إلى القول إن "البرلمان هو صاحب الحق الوحيد في قبول الاتفاقية أو رفضها، أو عرضها على الإستفتاء الشعبي".


ومجلس النواب في مصر مليء بأشباه رئيسه؛ النائب مصطفى بكري، على سبيل المثال، دافع باستماتة عن حق السعودية بالجزيرتين، وهدد بتقديم استقالته من البرلمان في حال رفض مجلس النواب للإتفاقية. وقال بكري في تصريحات لصحيفة "اليوم السابع" المقربة من دوائر السلطة، إن "المادة 151 من الدستور تعطي لمجلس النواب الحق في نظر الإتفاقيات والمعاهدات الدولية".


وعلى الضفة الأخرى، يرى العشرات من أساتذة القانون الدستوري، وأعضاء في مجلس النواب، أنه ليس من حق البرلمان إطلاقاً مناقشة الاتفاقية بعد الحكم النهائي الصادر عن المحكمة الإدارية العليا. ويعتبر هذا الفريق أن الحكم يسدل الستار نهائياً على قضية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية.


مجلس الدولة والنظام: قطبان لا يلتقيان
هناك شواهد كثيرة على حجم الهوة بين أجهزة النظام المقربة من مؤسسة الرئاسة، وبين قضاء مجلس الدولة، وهذا الهامش من المسافة بين الطرفين، منع النظام من تسييس وتطويع مجلس الدولة، على غرار المنظومة القضائية الأوسع. ولعل قضية نجم النادي الأهلي، ومنتخب مصر لكرة القدم محمد أبوتريكة، مثالٌ واضح على ذلك، إذ أصدر مجلس الدولة حكماً ببطلان التحفظ على أمواله. كما يسجّل للمجلس حكم آخر ببطلان التحفظ على أموال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وحكم ببطلان وجود الحاجز الزجاجي الذي يفصل بين معتقلي سجن العقرب وذويهم.


وصول قضية تيران وصنافير إلى مجلس الدولة، زاد من حجم الهوة، فضلاً عن القضايا التي عصفت بالمجلس وحاولت النيل من سمعته عبر قضية انتحار الأمين العام للمجلس المستشار وائل شلبي، وهي القضية التي كان المجلس منتبهاً لها جيداً، حيث أصر قضاة مجلس الدولة على تفقد مشرحة زينهم للوقوف على السبب الحقيقي لوفاة شلبي، كما أقاموا له عزاءً رسمياً، في مخالفة صريحة للتعليمات الأمنية التي منعت أي مراسم عزاء للمستشار المنتحر.


وسبق ذلك محاولات عديدة للسيطرة على المجلس، أبرزها قيام النائب أحمد حلمي، عضو "ائتلاف دعم مصر"، وكيل اللجنة التشريعية في مجلس النواب، بتقديم اقتراح مشروع قانون مدعوماً من قبل 60 نائباً، يخوّل رئيس الجمهورية بتعيين رئيس مجلس الدولة، من بين 3 أسماء تقترحهم الجمعية العامة لمجلس الدولة، والهدف من هذا الاقتراح هو منع المستشار يحيى الدكرور، نائب رئيس المجلس الحالي والأكبر سناً، من تولي رئاسة المجلس، بحسب ما تنص اللوائح التنظيمية. وكان الدكرور هو أول من أصدر حكماً ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024