الليرة السورية تواصل انهيارها: هزيمة اقتصادية بطعم النصر العسكري

المدن - عرب وعالم

الثلاثاء 2019/08/27
على الرغم من "انتصاراته" العسكرية في حماة الشمالي، يبدو أن النظام فقد زمام السيطرة على الليرة السورية. سعر صرف الدولار وصل إلى 630 ليرة في العاصمة دمشق، بحسب مراسل "المدن" فادي خوري.

وهذه ليست المرة الأولى التي تنهار فيها الليرة إلى هذا الحد، فقد وصل سعر صرف الدولار إلى 645 ليرة سورية لأيام معدودة في العام 2016. إلا أنه عاد بعد شهور إلى حدود سعر صرف المركزي الرسمي، محافظاً على استقرار نسبي، حتى منتصف العام 2018، عندما بدأت مسيرة الانحدار من جديد.

ويبدو الانخفاض المتواصل منذ عام تقريباً، الأكثر ثباتاً وامتداداً، لارتباطه بشكل واضح بارتفاع أسعار الكهرباء والمشتقات النفطية، التي تضخمت بحدود 12 ضعفاً وفق أسعار التقنين، وبحدود 18 ضعفاً أو أكثر وفق أسعار "السوق الحرة". هذا بالإضافة إلى امتناع المصرف المركزي عن التدخل، بحجة حق المواطن في دولار الاستيراد، وعدم هدره في عمليات المضاربة، كما فعل حاكما المصرف السابقان.

ورغم ارتفاع سعر الصرف إلى هذه الحدود، إلا أن السعر الرسمي للدولار، وفق المركزي، ما زال عند 435 ليرة، وهو الرقم المعتمد لصرف الحوالات الواردة للمواطنين من الخارج، ما يجعل خسارة الحوالة تصل إلى 30% من قيمتها الأصلية بواقع 195 ليرة من كل دولار.

وبحسب أرقام لمصادر مطلعة، فان ذلك كان سبب امتناع كثيرين في الخارج عن تحويل أموالهم عبر الشبكات الرسمية، ما أفقد النظام 90% من وارداته من القطع الأجنبي عبر الحوالات. وساهم ذلك بشح إضافي لواردات الخزينة من العملة الصعبة، وفاقم أزمة النظام لاعتماده على الحوالات كأحد المصادر الرئيسة للحصول على القطع الأجنبي في ظل إنفاق حربي مستمر وانهيار العائدات الأخرى، ما استدعى طلباً متزايداً على شراء الدولار وانهيار العملة السورية.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه حاكم المصرف المركزي حازم قرفول، أن ارتفاع سعر صرف الدولار هو أمر وهمي تماماً، تشهد الأسواق السورية موجة غلاء غير مسبوقة لكل المنتجات والسلع المحلية والمستوردة. كما تشهد في الوقت ذاته حالة من الفوضى والجمود  في تعاملات التجار تجلت بالتوجه إلى استجرار طلبيات صغيرة ومحدودة، أو حتى الامتناع عن الشراء حاليا خشية التقلبات السعرية.

كما ساد الجمود أسواق الذهب بشكل كبير، لتصل المبيعات إلى حدود 10% من مستواها المعتاد، في الوقت الذي وصل فيه غرام الذهب 21 قيراطاً إلى حدود 26 ألف ليرة سورية.

على الصعيد الشعبي يبدو الأمر أكثر كارثية، إذ تواصل الأسعار ارتفاعها، وسط انخفاض القدرة الشرائية لمتوسط الأجور البالغ بحدود 40 ألف ليرة سورية شهرياً، والذي كان يعادل منذ عامين 90 دولار فيما لا تتجاوز قيمته الحالية 60 دولاراً. أي أن الموظف الحكومي المنتمي لـ"الطبقة الوسطى" السورية، يتلقى دولارين يومياً، كأجر رسمي.

آخر زيادة للأجور في سوريا صدرت عام 2014، ومنذ ذلك الحين قدم النظام الكثير من الوعود برفعها وتحسين مستوى المعيشة، ولكنه لم يستطع الوفاء بها رغم التضخم المستمر، مبررا الأمور بالأولويات، وتحسين البنية التحتية والقطاع الإنتاجي، وضخامة الدعم الحكومي المقدم للخبز، وأخيرا بسبب العقوبات وما ينشأ عنها من حصار اقتصادي.

المفارقة الكبرى لدى حاضنة النظام  الغاضبة من تردي أوضاعها المستمر مع ارتفاع صرف الدولار وغلاء الأسعار، لا يكمن في خيبتها من الوعود الرسمية الكاذبة فقط، وإنما من إحساسها بتنامي فقرها بالتزامن مع سيطرة النظام وحلفائه على المزيد من المساحات التي كانت خارج سيطرته، ما يشعرها بنصر عسكري وهزيمة اقتصادية غير مفهومة.

ومن المرجح تواصل انهيار الليرة السورية. وحتى لو استطاع النظام على المدى القريب إيقاف هذا التدهور لفترة محدودة بألاعيبه وسياساته الأمنية، أو محاولاته لتحفيز الاستثمار وتشجيعه وفق قانون الاستثمار المنتظر، إلا أن عوامل الانهيار المالي  والاقتصادي مستمرة ومتزايدة مع بقاء النظام، ولا يمكن تفاديها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024