الحزب "الإسلامي التركستاني": المحطة الشامية

عقيل حسين

الأربعاء 2016/06/29
للمرة الأولى، يعلن الحزب "الإسلامي التركستاني" موقفه من تنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد ثلاث سنوات على تأسيس فرعه في سوريا، وعامين على إعلان "الدولة الإسلامية" مبايعة زعيمها أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين".

الموقف الرسمي جاء من رأس الهرم في "الإسلامي التركستاني"، وبثت وحدة الإعلام في الحزب، لقاء مصوراً مع أميره عبد الحق التركستاني، وفيه أعلن عدم شريعة خلافة تنظيم "الدولة"، ودعوته للعمل من أجل "قيام خلافة إسلامية وفق شروطها الشرعية والسياسية الصحيحة".

موقف ليس فيه أي مفاجأة، خاصة وأن الحزب معروف بعلاقته الوثيقة مع تنظيم "القاعدة" التي اجتمع بها في كل من باكستان وأفغانستان خلال فترة حكم حركة "طالبان" الإسلامية. وكان مؤسس الحزب، الشيخ حسن معصوم، قد انتقل إلى أفغانستان في العام 1997، وفيها أعاد بناء الحزب على أسس مشابهة للحركات السلفية الجهادية المعروفة.

وبناء عليه، لم يكن مفاجئاً أن تظهر صور المشايخ السلفيين، الذين يشكلون المرجعية الشرعية لتنظيم "القاعدة" في خلفية التسجيل المصور الذي ظهر فيه زعيم الحزب "التركستاني" وهو يعلن هذا الموقف. وهم، إلى جانب أيمن الظواهري، هاني السباعي وأبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وغيرهم.

وهذه الشخصيات أعلنت جميعها معارضة تنظيم "الدولة" وبطلان خلافته، منذ هجوم الأخير على "القاعدة"، وتكفير فرعه في سوريا "جبهة النصرة"، بالإضافة إلى حركة "طالبان" وجميع التنظيمات الجهادية الأخرى التي رفضت مبايعته.

وحول سبب تأخر الحزب في إعلان موقفه من هذه القضية، يقول الشيخ عبد الحق، إنه "منذ أن بدأت الخلافات بين المجاهدين في العراق والشام، انتظرنا موقف العلماء إلى أن قالوا كلمتهم، وبالتالي لم يعد لدينا ما نضيفه على ما قالوه، حيث اجتمعوا على أنها خلافة باطلة، ونحن نتبع العلماء الربانيين".

وبينما تجاهل تنظيم "الدولة" هذا الموقف الذي احتفى به أنصار "القاعدة"، اعتبر الكثيرون أنه موقف يأتي في سياق التعبئة التي يقوم بها تنظيم "القاعدة" بمواجهة تنظيم "الدولة" على الساحة الجهادية. هذه التعبئة التي حققت فيها القاعدة نجاحات معقولة، بعد الانحسار الذي واجهته خلال السنوات الأخيرة مع صعود منافسه بشكل كبير، وكان أهمها انضمام "جيش المهاجرين والأنصار" القوقازي العامل في سوريا، في حزيران 2015 إلى "جبهة النصرة"، وتجديد حركة "الشباب" الصومالية ولائها لـ"القاعدة" قبل ذلك، في العام 2014.

ولا تنبع أهمية موقف الحزب "التركستاني" من هذه الناحية فقط، بل ويزيد من ثقله بالنسبة لـ"القاعدة" أن الحزب باعتباره الصنو التاريخي لـ"الحركة الإسلامية الأوزباكية"، التي أعلن فرعاها في أفغانستان وسوريا مبايعة تنظيم "الدولة"، وبالتالي انضمام أغلب المقاتلين التركستان الذي كانوا يقاتلون معها إلى صفوف التنظيم. وبذلك يمكن أن يعوض موقف "التركستاني" الأخير تلك الخسارة في منطقة مهمة جداً، يسعى كل من تنظيمي "الدولة" و"القاعدة" من أجل السيطرة على الحركة الجهادية فيها.

وتشكل أوزباكستان مع الدول الأربع الإسلامية الأخرى، التي استقلت عن روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، الجزء الغربي من أقليم تركستان، الذي تقاسمته روسيا والصين عام 1949، فضمت موسكو القسم الغربي إلى حكمها، بينما بسطت بكين سيطرتها على القسم الشرقي.

ومن هنا، يبدو واضحاً لماذا ركز عبد الحق التركستاني، في جانب كبير من حديثه، على الحركة الأوزباكية وتاريخ علاقة الحزب معها، حيث رأى أن الحركة انتهت منذ أن انحرفت عن المسار الشرعي السليم حسب وصفه، بعد أن بدأ تيار الغلو يظهر فيها قبل أعوام، على الرغم من التواصل والنصح الذي كان يبديه لها الحزب طيلة هذه السنوات، ولكن من دون فائدة، على حد قوله.

لكن المراقبين يرون أن قيادة الحزب، أجلت إعلان موقفها من الخلاف بين تنظيمي "القاعدة" و"الدولة"، إلى حين تمكنها من إعادة بناء الحزب الذي تأثر بشكل واضح، خاصة مع اضطرارها إلى الرحيل عن باكستان في العام 2013، بعد التقارب الصيني الروسي الباكستاني. وعليه فقد اعتمدت هذه القيادة مبدأ النفس الطويل، إلى أن اشتد عود فرعه في الشام، فباتت قادرة على انتاج موقف بهذا المستوى.

ولم يخف أمير الحزب عبد الحق التركستاني، ذلك، حيث أكد في اللقاء، أن الحزب عمل على الاستفادة من الوضع في سوريا من أجل إعداد المقاتلين التركستانيين، كي يعودوا لتحرير أرضهم من سيطرة الحكومة الصينية. وعليه، فقد بدأت مجموعات من مقاتليه بالتوجه إلى الشمال السوري منذ العام 2013، بعد أن كان الأمر مقتصراً على الأفراد.

وسجل الحزب "التركستاني الإسلامي" أول حضور عسكري قوي له في الساحة السورية في العام 2015، وكان القوة الضاربة في عملية السيطرة على مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ومنها انطلق لتوسيع عملياته، وخاصة باتجاه سهل الغاب، وأخيراً في ريف اللاذقية.

لكن أول إعلان رسمي من الحزب عن نفسه في سوريا، جاء من خلال ثلاثة اصدارات مصورة بثتها الوحدة الإعلامية التابعة له، وأظهرت مشاركة عناصره في معركة السيطرة على مطار أبو الظهور في ريف إدلب الجنوبي، في أيلول/سبتمبر 2015، إلى جانب "جبهة النصرة" ولواء "جند الأقصى". وبينما يدور حديث على نطاق واسع، أن الحكومة التركية تدعم، أو تسهل وصول الدعم والإمدادات لمقاتلي "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا، حيث يعيش أكثر من عشرين ألف لاجئ إيغوري مع عائلاتهم في تركيا، كما أن هناك جمعيات خيرية تابعة لهم، يقول المقربون من الحزب، إن مقاتليه المعروفين بشراستهم وشدة بأسهم، يعتمدون بشكل كامل على ما يغنمونه من المعارك ضد قوات النظام، بعد أن وصلوا إلى سوريا لا يملكون سوى بنادقهم.

وإلى جانب البناء العسكري الملهم الذي استطاع الحزب تحقيقه خلال السنوات الثلاث الماضية في سوريا، حيث يقدر عدد مقاتليه بثلاثة آلاف، بينما تقول تقديرات أخرى أنه رقم مبالغ فيه، وسبب هذه المبالغة أن مقاتليه جلبوا عائلاتهم معهم، فإن الحزب يُعرف عنه تميزه من الناحية الإعلامية بشكل كبير.

ومنذ تأسيسه في العام 1993 في مدينة "كاشغر" عاصمة الأقليم، الذي تطلق عليه الصين اسم شينج يانغ، أو الأرض الجديدة، على يد زعيمه الراحل حسن معصوم، الذي قضى في غارة على الحدود الباكستانية الأفغانية في العام 2003، انشأ الحزب وحدة الإعلام، التي تنشط بشكل كبير باللغة المحلية المتفرعة عن اللغة التركية، وتكتب بحروف عربية.

وقد حظيت هذه النقطة باهتمام من قائد الحزب في حديثه الأخير، حيث تعتبر وحدة الإعلام من أبرز مقوماته، وتصدر بشكل منتظم البيانات والترجمات والإصدارات المصورة، كما أطلقت مجلة "تركستان الإسلامية"، وموقعاً الكترونياً موجهاً للتركستانيين، يحضهم على الجهاد ضد بكين، في الإقليم الذي تبلغ مساحته مليوناً و828 ألفاً و418 كيلومتراً مربعاً، أي ما يزيد على مساحة كل من باكستان وتركيا، ويبلغ عدد سكانه أكثر من عشرين مليون نسمة، غالبيتهم العظمى من المسلمين.

ويوجه الحزب "التركستاني الإسلامي" والأحزاب التركستانية الأخرى المعارضة لبكين، اتهامات واسعة للحكومة الصينية، باضطهاد القومية الإيغورية، ومحاربة الدين الإسلامي في الإقليم ونهب ثرواته، كما تنفي ما تقوله بكين عن أنها منحت الإقليم حكماً ذاتياً موسعاً.

وعلى غرار جميع الحركات السلفية الجهادية، فإن الـ"حزب الإسلامي التركستاني"، لا يخفي موقفه المعادي لبقية الحركات والأحزاب التركستانية الشرقية الأخرى المناهضة للحكم الصيني. ويعتبر الحزبُ أن الديموقراطيةَ والدعوة لدولة وطنية، أمر مخالف للشريعة الإسلامية، ويؤكد أن هدفه إقامة دولة إسلامية في الإقليم، على طريق إعادة الخلافة الإسلامية.

وتصنف معظم الدول الحزبَ كمنظمة إرهابية، حيث أعلنته موسكو تنظيماً محظوراً منذ عام 2006، وهو ما يتسق وموقف الصين، التي تنظر إلى أعضائه باعتبارهم "إرهابيين انفصاليين"، كما تعتبره واشنطن "ذراع طالبان"، حيث أعلنته الإدارة الأميركية في العام 2009 "جماعة إرهابية"، بينما أدرجته "الأمم المتحدة" على قائمة المنظمات الإرهابية، بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.

يقال إن سور الصين العظيم، كان قد بني أصلاً لمواجهة هجمات التركستانيين على أمبرطوريتهم القديمة، بينما يقال اليوم، إن بكين، مثلها مثل العديد من الدول التي تعاني من صداع الجهاديين، سعت للتخلص من عناصر الحزب "الاسلامي التركستاني"، بالعمل إلى إبعادهم أكبر قدر ممكن عن حدودها، التي كانوا قريبين منها في أفغانستان وباكستان، وتسهيل وصولهم إلى سوريا.

لكن إلى أي حد نجحت الصين في ذلك، خاصة وأن من يقاتل منهم في سوريا اليوم، يرون أن هذه المرحلة، كما يقول أمير الحزب عبد الحق، في لقائه الأخير، تعتبر "تحضيراً من أجل العودة إلى تركستان وتحريرها".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024