يا شعب لبنان "العظيم"!

أسعد قطّان

السبت 2019/10/19
لقد سلّمتم البلد للزعران والفاسدين، فتفضّلوا بتحمّل النتائج.
لقد قرّر كلّ واحد منكم استبدال هويّته كمواطن يعمل ويبني ويحلم ويبدع ويحبّ، بهويّته كرقم ينتمي إلى طائفة. ثمّ سلّمتم الأرقام إلى الزعيم ورجل الدين. فتمّ استبدال الدولة بخلطة ملتبسة قوامها أمراء طوائف فاسدون ورأسماليّون ذوو كروش مترهّلة ومرابون بكفوف مثقوبة، تتلطّى خلفهم مؤسّسة دينيّة رجعيّة قمعيّة. هذا ما جنته أيديكم. فهبّوا إلى الثورة قبل فوات الأوان، عساكم تنقذون ما تبقّى من أشلاء وطن تلتهمه النيران لأنّ العقليّة الطائفيّة فيه تمنع تعيين حرّاس أحراج.

من قال إنّ استعارة "الدولة العميقة" تقتصر على الأدبيّات التي توصّف الواقع السياسيّ في مصر؟ هذه هي دولتكم العميقة في لبنان. عمّرتموها "طوبة طوبة" كما يقول المصريّون. لكنّكم نسيتم أنّ الدولة العميقة ليست بدولة. جعلتم التركيبة الطائفيّة الهجينة التي تلتهم الكباش السمان وتتصدّق عليكم بالفتات، مكان الدولة. فلم يبقَ للدولة مكان. صارت طائفيّتكم هي العمق، وصارت بقايا الدولة هي السطح وهي الهامش. فكيف تحلمون ببناء مؤسّسات دولتيّة عادلة؟ استعضتم عن الأحزاب بجمهرات طائفيّة هي مسوخ أحزاب لا برامج لها ولا رؤية. وقبلتم أن يعطّل ممثّلو طوائفكم السلطة القضائيّة التي من دونها لا يقوم بلد. ارتضيتم أن يضغطوا على القضاة. وقبلتم أن يرشوهم وأن ترتشوا أنتم معهم. فتفضّلوا قوموا بالعمليّة الجراحيّة التي ما فتئتم ترفضون القيام بها قبل أن يضيع كلّ شيء.

العمليّة الجراحيّة هي أن نتوب، أن نتغيّر، أن تتغيّر عقولنا ونصوصنا، أن نخرج من الاستقطاب الدينيّ والطائفيّ، أن نلغي الطائفيّة من دساتيرنا، أن نبني سلطةً قضائيّةً تحاسب، أن نؤسّس أحزاباً مختلطةً حقيقيّة، أن ننتخب بشراً نظيفي الكفّ والسريرة، أن نأتي بالفهماء لا بالبكوات إلى دوائر الحكم، أن نقرّ الزواج المدنيّ فوراً، أن نعلي شأن النساء في بلادنا ونكفّ عن التجسّس على حياتهم الجنسيّة، أن نتوقّف عن إلقاء اللوم على الغريب واللاجئ والوافد، وأن نثور على أنفسنا ونثور على هذا النظام الجائر الذي بنيناه بأيدينا. لم يدمّر الغريب بلادنا. لقد دمّرناها نحن. لم يلوّث اللاجئ بيئتنا. لقد لوّثناها نحن. لم يهجّر الوافد أدمغتنا. لقد هجّرناها نحن.

يا شعب لبنان "العظيم"!

لقد كانت ثوراتكم في الماضي ثوراتٍ ملتبسة، مجتزأة، هشّة. ولذا كان من السهل أن يلتفّ عليها زعماؤكم وبطاركتكم وشيوخكم وأن تبتلعها الغريزة الطائفيّة. لقد آن الأوان أن تقوموا بثورة حقيقيّة. فهذه ربّما تكون الثورة الأخيرة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024