المرأة المصرية، من المدرسة إلى البرلمان.

محمود الزيباوي

الأحد 2019/03/10
بمناسبة "اليوم العالمي للمرأة"، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى رسالة تقول: "تحيةً وتقديراً واحتراماً لكل سيدة ناضلت وحققت مُنجزات فى كل الميادين، ودافعت عن معاني الحرية والإنسانية والحياة على مر العصور، دمتم رمزاً للقوة والعطف والنُبل والشجاعة، وكل مفردات الحياة والحب والجمال".


في تموز/يوليو 1943، نشرت عائشة عبد الرحمن المعروفة بـ"بنت الشاطئ" مقالة في مجلة "الهلال" عرضت فيها مراحل تطوّر ثورة "المرأة الجديدة". رأت الكاتبة أن هذه الثورة بدأت عام 1900 يوم "وقفت الحياة في مصر برهة لأن أهلها وقفوا يتفرجون على فتاة مصرية واحدة نالت الشهادة الابتدائية في ذلك العام لأول مرة في تاريخ البلاد". نشرت "المؤيد" بهذه المناسبة قصيدة لهذه التلميذة تفتخر فيها بأنها "ساوت الرجال في التعليم"، وشكّل هذا الفوز بداية رحلة الخروج "من تلك الأمية السائدة". بعدها، اندفعت الجموع النسائية "في سرعة هوجاء، تقتحم المدارس الأولية والابتدائية والثانوية، حتى أدركت أبواب الجامعة".

اعتبرت بنت الشاطئ ان المرأة تجاوزت "في هذا العمر القصير، حدود الخدور، وأسوار التقاليد، إلى آفاق الدنيا والعمل"، و"ستمضي في الطريق الوعر إلى النهاية، وسيراها القرن الحادي والعشرون وقد فتحت معقلين موصدين اليوم. أما الأول فهو باب الأزهر، تدخله عنوة ولو كره الرجال، لتفقه الحدود الشرعية وتنتفع بها وتفسرها تفسيرا تراعي فيه مصلحتها كما فعل الرجل من قديم الزمان. وأما الثاني فهو باب البرلمان، تدخله في معركة رهيبة تستشهد فيها الأنثى، لتشترك في توجيه الحياة الحديثة، وبناء العالم من جديد. ويومئذ قد يثور الرجال ويسخطون وينكرون". دخلت المرأة بحماسة كبيرة في هذه المغامرة الرهيبة، ونجحت في الدخول إلى البرلمان بعد سلسلة من المعارك الطاحنة.

في شباط/ فبراير 1944، تم تأسيس "الحزب النسائي الوطني المصري"، وكان هدفه الأول المطالبة بحق المرأة في الانتخابات وفي تمثيلها في البرلمان. في شهر أيار/ مايو، عرض زهير صبري في مجلس البرلمان اقتراحا يجعل للمرأة "حقّ المساواة مع الرجل في الحقوق السياسية، وحق التصويت، وحق النيابة عن الأمة"، ولقي هذا الاقتراح معارضة جماعية من المجلس، فتم رفضه من أساسه، ولم يقبل المجلس بتحويله إلى أية لجنة بحجة مخالفته للدستور ولقانون الانتخاب الذي يقصر هذه الحقوق على "كل مصري من الذكور". خرجت هدى شعراوي من هذه الجلسة لتقول: "يدهشني حقا أن الرجعية تمتزج بالديموقراطية، فأرى من يقومون لينكروا على المصرية حقها الشرعي، في الوقت الذي شهدوا فيه تقدمها ولمسوا ما يمكن أن تقوم به من أعمال نافعة، فرفضوا أن يعطوها هذا الحق في الوقت الذي يعطونه للجهلة من الرجال".

في الشهر الأخير عام 1944، عُقد "المؤتمر النسائي" في القاهرة على مدى أربعة أيام، وضمّ وفودا من سائر الدول العربية. في حفلة الافتتاح، قالت هدى شعراوي "إن المسألتين الأساسيتين اللتين سيعنى المؤتمر ببحثهما هما مسألة المرأة ومسألة فلسطين"، كما نقلت مجلة "الإثنين". في هذه المناسبة، تحدثت المجلة عن موقع المرأة في العالم، وأشارت إلى حضورها في تركيا، وقالت إن أتاتورك خلقها "خلقا جديدا، وحسر عن وجهها الجميل حجاب القرون والأجيال، وفتح أمامها أبواب المدارس والجامعات، ومهد لها طريق الوظائف الحكومية والأعمال الحرة، بل وأحلّها كرسي القضاء، وانتخبها عمدة للقرية ومأمورة للمركز، ولكنه مع هذا لم يمنحها حق الانتخاب، فظلّت أبواب المجلس الوطني الكبير موصدة دونها. وقد ذهب إليه وفد من نساء تركيا يطالبنه بمنح حق النيابة فاعترض قائلا: لا بد أن تدخل المرأة الجيش قبل ان تنال حق النيابة". وأضافت "الإثنين" في تعليقها: "نعم، لا بد أن تؤدّي المرأة كل ما يؤدّيه الرجل من الواجبات، قبل أن تظفر بكل ما ظفر به من الحقوق".

في مطلع 1945، وُجّهت الدعوة إلى عدد من السيدات المصريات وعقيلات رجال السلك السياسي الأجنبي لحضور حفلة افتتاح البرلمان، ونشرت الصحافة طائفة من الصور لبعض السيدات اللواتي شهدن هذه الحفلة. في منتصف نيسان/ابريل، تحدّث "صاحب الدولة" علي ماهر باشا عن حقوق المرأة النيابية، وقال: "لقد أثبتت المرأة، في الفترة الأخيرة، أنها جديرة بأن تحتل المكانة اللائقة بها في ميدان السياسة والاجتماع. والدليل على ذلك، تلك النتائج الباهرة التي نراها في امتحانات الجامعة والمدرس والكليات. وعلى الرغم من أنى أرى ان مكان المرأة الأول هو البيت، وواجبها الأول تنشئة الرجال النافعين، إلا ان هذا لا يمنعني من الاعتراف بأن الوقت قد حان لتساهم المرأة في العمل لبلادها سياسيا واجتماعيا. واني لأضنّ بالمرأة أن تقتحم المعارك الانتخابية، فينالها من رشاشتها ما لا قبل لها به. ولذلك أفضّل ان يجئ دخولها إلى البرلمان عن طريق الجمعيات أو الدوائر أو الأندية النسائية، فإذا انتخبت إحدى الجمعيات عدداً من السيدات، أمكن تعديل قانون الانتخاب، بحيث تُعيّن المرأة في مجلس النواب كما يُعيّن بعض أعضاء مجلس الشيوخ".

في هذه المناسبة، نقلت مجلة "الإثنين" برامج كل من درية شفيق ونعيمة الأيوبي وأمينة السعيد وأم كلثوم في حال دخولهن البرلمان، وبدت "كوكب الشرق" الأكثر تحفظا في خوض هذه المغامرة، إذ قالت: "انني فنانة ولا يعنيني كثيرا البحث في المسائل السياسية، وإذا فُرض ان مُنحت السيدات الحقوق النيابية، فأنا أرى أن عضوية البرلمان سابقة لأوانها بالنسبة للرجال، ومعنى ذلك أنها سابقة جدا لأوانها بالنسبة للنساء، وإذا كنت أرى ضرورة حكمنا حكما دستوريا ديمقراطيا، غير أن الطريق لا تزال شاقة وبعيدة حتى تتمّ المعاني التي أرجوها وترجونها".

في صيف ذلك العام، انتقلت الثورة النسائية إلى دمشق حيث "حملت السيدات أعلاما سُطّرت عليها بعض العلامات الحماسية"، وظهرت ابنة جميل مردم بك في مقدمة المتظاهرات وهي تحمل العلم السوري، كما نقلت مجلة "المصور". في تشرين الثاني/نوفمبر، سارت "الهيئة التنفيذية للاتحاد النسائي العربي" في مظاهرة سلمية إلى قصر عابدين حيث رفعت القرارات التي اتخذتها، ثم قصدت دور السفارات والمفوضيات. بعدها، في ختام 1945، شهدت "كلية العلوم" مناظرة حول مسؤولية المرأة في تدهور الحياة الاجتماعية في مصر. أيّد هذا الرأي علي أمين ونازلي الحكيم، وعارضه سليمان نجيب واعتدال حمودة، وانتهت المعركة بانتصار فريق المعارضة، و"تنصّل المرأة من هذه التهمة والصاقها بالرجل".

في آذار/مارس 1946، أقامت "رابطة فتيات الجامعة والمعاهد المصرية" مؤتمراً طالبت فيه بحقوق المرأة السياسية بصوت عال. تحدّثت لطيفة الزيات في هذا المؤتمر وقالت: "لقد قمنا بحركتنا في اكتوبر عام 1945، وانضمّت إلينا الفتيات المثقفات. وفي غدنا سنضم النساء المصريات، فلّاحات وعاملات. سنعمل على أن يكون للمرأة حق الانتخاب والنيابة والمساواة مع الرجل في الأجور والأعمال". تواصلت معركة المرأة في الأعوام التالية. في أيلول/سبتمبر 1949، "في ملعب النادي الأهلي، وعلى نغمات الموسيقى، اصطفت أربعة آلاف مرشدة بزيهن الأزرق ينشدن تحية العلم وقد رفعن أيديهن إلى العلى يؤدين التحية"، كما نقلت مجلة "آخر ساعة". في هذا الخضم، قادت رئيسة "اتحاد بنت النيل" درية شفيق تظاهرة في القاهرة توقفت أمام البرلمان المصري للمطالبة بحق المرأة في الدخول إليه.

في شباط 1951، جرت محاكمة درية شفيق بعد اتهامها بعقد اجتماعات عامة دون إخطار الجهات المسؤولة. تابعت الصحافة هذه المحاكمة بشغف، وقالت إن المتّهمة قوبلت "بالتصفيق من جانب الجنس الخشن والزغاريد من جانب النساء المصريات"، وقد "تطوعت عشرون محامية للدفاع عن الزعيمة المصرية، على رأسهن مفيدة عبد الرحمن"، كما تقدمت مجموعة من المحامين للدفاع عنها "بحجة أن هذه القضية تهم الرجال أيضا". في العام التالي، انبثقت "كتيبة بنت النيل" من "اتحاد بنت النيل" وحاصرت "بنك باركليز" البريطاني لمنع الناس من التعامل معه. انتهى العهد الملكي مع انقلاب 23 يوليو/تموز 1952 العسكري، واستمرت معركة المرأة المصرية.

في شتاء 1954، أضربت درية شفيق عن تناول الطعام مع عدد من زميلاتها، واعتصمت معهن في دار نقابة الصحافيين "حتى تُجاب مطالب المرأة بشأن حقوقها السياسية". في 1956، منح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حق الانتخاب والترشح للمرأة المصرية بموجب دستور 1956، وتقدمت ثماني سيدات للترشح بعد هذا القرار، وفازت راوية عطية، فكانت أول امرأة عربية تدخل إلى البرلمان.

واليوم، تقول الكاتبة والناشطة النسوية الدكتورة عزة كامل أنه منذ صدور دستور عام 1956، "لم تحدث نقلة فارقة في سياق حقوق المرأة السياسية. كما أن قانون الانتخاب يبخس الحق السياسي للمرأة ويجور عليه في الانتخابات الفردية، لأنها لا تستطيع منافسة رجال لهم نفوذ وسلطة ومال".
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024