لبننة الأوسكار

محمد حجيري

الجمعة 2019/10/04
يبدو أن طريقة ترشيح وزارة الثقافة اللبنانية، فيلم "1982" لوليد مونّس لتمثيل لبنان في مسابقة الأوسكار للعام 2020، عن فئة الفيلم الأجنبي، تشبه تلزيم الحكومة اللبنانية ووزاراتها، مشاريع المقاولات والطرق والمرافئ اللبنانية والحفريات، وأيضاً تشبه طرق التوظيف الهلامية الوقحة، بالتراضي أو بالواسطة أو بالتشبيح الناعم والعلاقات العامة و"المَونة"..

فترشيح فيلم مونّس أتى بعد توصيّة من لجنة تشكلت من "عاملين في الشأن السينمائيّ، نقداً وصحافة وتوزيعاً واشتغالات مختلفة" كما قيل، وترأسها المدير العام للشؤون الثقافية في الوزارة علي الصمد، وضمّت إميل شاهين وهادي زكّاك وجورج كعدي وغسان قطيط ولين طحيني وكوليت خلف ومحمد حجازي والياس دومَّر وهانيا مروَّة وغيدا مجذوب وجوزف شمالي وإبراهيم سماحة. وكان يفترض باللجنة أن تكون منصفة وعادلة ومحايدة، لكن لم تمر ساعات على اعلان اختيارها، لم تمر ساعات على بهجة وزير حركة "أمل" محمد داود الذي غرّد في "تويتر" معبّراً عن سعادته بإنجاز وزارته، حتى علت بعض الأصوات معترضة على طريقة الترشيح والشوائب التي وقعت فيها اللجنة المُكلَّفة، عن قصد أو عن غير قصد، عن دارية أم عدم دراية، بالمَونة أو بطريقة البَلف.

فاللجنة اختارت فيلم "1982" الذي كان على طاولتها، الى جانب فيلم "غود مورنينغ" للمخرج بهيج حجيج. فيلم "1982" الشريط الروائي الأوّل لصاحبه، وتدور أحداثه إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، في مدرسة خاصة على مشارف بيروت، ويسرد تأثير القصف الجوي الإسرائيلي في المدنيين اللبنانيين، حيث يحاول "وسام" (11 عاماً) البوح لفتاة في صفّه عن حبّه لها. ومن حولهما، يحاول الأساتذة من انتماءات سياسية مختلفة إخفاء مخاوفهم وحمايتهم. لائحة الأبطال تضم: نادين لبكي ورودريغ سليمان ومحمد دالي وغسّان معلوف وعليا خالدي وغيا ماضي وليلى حرقوص وسعيد سرحان وزينة صعب ديميايروا وجوزيف عازوري. ونال الفيلم جائزة "الاتحاد الدولي للنقّاد (فيبريسي)"، في ختام الدورة الثالثة (19 ـ 27 سبتمبر/أيلول 2019) لـ"مهرجان الجونة السينمائي".

أما "غود مورنينغ" فيستند إلى قصّة لرشيد الضعيف. رجلان مسنّان (غابريال يمين وعادل شاهين) يتجهان إلى المقهى كل يوم في مواعيد ثابتة، ويحلان الكلمات المتقاطعة في سبيل حماية نفسيهما من فقدان الذاكرة، ويطلعان على العديد من المشاهد التي تستوقفهما في الشارع المطل. وشارك الفيلم في أكثرِ من 13 مهرجانًا واختير للتنافس على فئة "أفلام روائية من كلّ مكان" ضمن الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان "قرطاجنة السينمائي" في كولومبيا، والذي يعدّ من الأبرز في أميركا اللاتينية كما نال ثلاث جوائز. 
 
ثمّة شروط لترشيحِ الفيلم ضمن لائحة الأوسكار، أبرزها أن يكون الفيلم معروضًا في بلد المنشأ أسبوعين اثنين على الأقلّ، في حين أن "1982" معروضٌ في صالة واحدة بدءًا من 27 سبتمبر/أيلول 2019، أي قبل يوم واحد فقط من إعلان الاختيار، وهذا منافٍ لشرط "أكاديمية علوم السينما وفنونها" في هوليوود. لكنه نزل بالمظلّة في الأيام الأخيرة قبل الأوسكار، على لائحة المرشحين، الى جانب فيلم "غود مورنينغ" الذي يوافق تمامًا الشروط الموضوعة من الناحية الفنية والعملية. ادعى القيّمون عليه أنّه يُعرَض في لبنان وتحديدًا في سينما "إسباس" في جونيه.

كتب الناقد محمد حجازي (أحد اعضاء لجنة الاختيار) في موقع "الميادين"، "الشريط شاهدناه في عرض خاص في صالة متروبوليس بعد ظهر يوم الثلاثاء في 24 أيلول/سبتمبر الجاري، أي بعد 24 ساعة من مباشرة عرضه في صالة أمبير – أسباس (زوق مكايل- شرقي بيروت) كشرط من الأوسكار لقبول مشاركته في المسابقة". في المقابل كتب الناقد السينمائي هوفيك حبشيان في "النهار": "على رغم المزاعم أن الفيلم بدأ عرضه في 23 وليس في 26، إلا أن "النهار" حققت في الموضوع، عبر الاتصال هاتفياً بشباك التذاكر في الـ"اسباس" وبمصادر أخرى كذلك، أكّدت لنا ان الفيلم بدأ عرضه في 26". مع التذكير بأنّ موزِّع الفيلم هو عضوٌ في لجنة الاختيار، وقيل أنه يملك "قدرة ضمن اللجنة نظرًا لتضامن بعض الأعضاء معه"... فأتى الاختيار على طريقة هذا الموظف لهذا التيار السياسي أو هذا الوزير.

من الصعب وضع اللوم على الوزير أو المدير العام في الوزارة، فالوزير الآتي من عالم الطب (وربما يكون هذا سبباً للتفكّر) والذي كان أول شعاراته الثقافية "جيش وشعب ومقاومة"، ليس في وارد الدخول في تفاصيل الأشياء، وليس خبيراً في شؤون جوائز الأوسكار ونظامها الداخلي، لكنه في كل الأحوال مسؤول عن اللجنة ونتائجها. وهو، بدلاً من إجراء تحقيق، بدا مدافعاً عن خيار اللجنة، قائلاً أنّ "الوزارة أجرت اتصالًا مع لجنة الاوسكار، حيث أشارت إحدى محاميات اللجنة الى أنّ الفيلم يستوفي الشروط". أما مخرج "غود مونينغ" فاتهم بدوره بعض "القيّمين" على السينما اللبنانية بـ"تركيبِ" الأمورِ وفق مصالحهم، مسجِّلًا اعتراضه على الطريقة التي أُسقِطَ من خلالها الفيلم عن اللائحة: "هذا الأمر يعتبر فضيحة لا تشرِّف السينما، بل ثمة كذب وزعبرة بالنسبة الى عرضه"...

في المحصلة، جانب من حياتنا اليومية في لبنان "تزبيطات" وتنفيعات. فحتى في اختيار فيلم سينمائي، تفوح رائحة الفضائح والتواطؤ في وزارة، في أيام مجدها، كانت شبه غائبة وبلا دور.

(*) نشر المخرج بهيج حجيج، إحدى المقالات عن "فضيحة اختيار فيلم الأوسكار"، وطلب من معارفة أن يشاركوها (share)، وكانت لافتة التعليقات عليه.
فقال معلّق مغربي: "حتى عندنا في المغرب لا يلتزمون الشروط، فيلم "آدم" لليلى التوزاني، رشح لتمثيل المغرب في مسابقة الاوسكار، رغم انه لم يعرض في القاعات بالمغرب".
وقال جزائري: "في الجزائر الفيلم المرشح للأوسكار رسمياً ممنوع من العرض ههههههه"...
وهذه عيّنة صغيرة عن واقع السينما العربية، وواقع الثقافة الرسمية التي تعيش خارج زمانها، ولا تحمل من الثقافة غير اسمها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024