عدي الزعبي: التنمر على فيروز.. غير مفهوم

المدن - ثقافة

الأحد 2020/04/05
التنمّر على عجوز تجاوزت الثمانين من العمر، تعيش في عزلة اختيارية، شعارها "وش علي انا من الناس وش على الناس مني"، امر غير مفهوم: السخرية بلؤم وعنف وتشفٍّ من امرأة وحيدة لم تهاجم احداً في حياتها الطويلة، والتهجم عليها بسبب مقطع صغير نشرته ابنتها، بمحبة لأمها، أمر معيب: لم تهاجم فيروز يوماً أي شخص على وجه البسيطة: لا في شبابها، ولا في عز شهرتها الأسطورية، ولا بعد طلاقها من عاصي، ولا خلال الحرب الأهلية الطويلة، ولا بعد انتهاء الحرب: لم تتقرّب من المسؤولين وصناع القرار، ولم تلاحق المثقفين. لا يكاد المرء يعثر على لقاءات صحافية للسيدة فيروز: اللقاءات القليلة جداً، تتكلم فيها بخجل شديد، وببساطة لا تصدّق، وبتلقائية: تكاد فيروز لا تعرف شهرتها التي طبّقت الآفاق: تنصت في اللقاءات، وترد ردوداً مقتضبة مباشرة: ليس عند صاحبة الصوت المغاير لمفهوم الناس للنجومية ما تقوله عن الغناء والفن: هذا ما تفعله، هي تغني فقط، ولا يعنيها التنظير، والصراع، والكلام الكبير، والكلام الصغير.

لم تؤذ فيروز يوماً أي كائن بشري، وغنّت بفرح لكل شيء: للحب وللضيعة وللمدن، وللحزن وللبحر، وللطفولة وللعجائز.
عجوز تعيش سنواتها الأخيرة وحيدة، تصلي لله، بصدق وإيمان لم يتضعضع ولم يتغير منذ طفولتها الفقيرة جداً: تدندن وحدها، كي تمضي الأيام أنقى وألطف على جسدها المتعب المنهك. على الأغلب، ينصت الله لها بانتباه شديد، ويبتسم.
في واحدة من أغانيها غير المشهورة جداً، تقول السيدة:
"يا ميْةْ مسا ع اللي اشتكى
و عَ حفّة الباب اتّكى
ع اللي انحكى وعالـ ما انحكى
و ع اللي انتسى وما بينتسى..."
يا مية مسا يا فيروز. 

(*) مدونة نشرها الكاتب السوري عدي الزغبي في صفحته الفايسبوكية
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024