حفلة 9 آب: التحرر عبر تقوية الجماعة

حسن الساحلي

الجمعة 2019/08/09
من الأشياء المهمة في الحفلة التي ينظم اليوم تضامناً مع "مشروع ليلى"، أنه جَمَعَ أوساطاً فنية مختلفة في مكان واحد. جزء من هذه الاوساط، تُعرف عنه مشاركته في أعمال فنية مرتبطة بالمجال العام وذات طابع سياسي، وجزء آخر يشارك للمرة الأولى في فعالية مرتبطة بقضية معينة سياسية أو فنية أو اجتماعية.

من الأسماء المألوفة مثلاً بعض الفنانين العاملين في "مترو المدينة"، وأكثريتهم أعضاء في فرقة "الراحل الكبير" التي تحمل توجهاً سياسياً وإجتماعياً واضحاً، بالإضافة إلى العاملين في مجال "الهيب هوب"، الذي انطلق من المخيمات الفلسطينية في أول العقد الماضي، وظل ملتصقاً بقضايا التهميش الإجتماعي (لكن ثمة أسماء ذات توجه مختلف مثل "تشينو" و"بلوفايفر")، فن "الكوميكس"، المرتبط عضوياً بالصحافة وجمعيات المجتمع المدني، الذي تعرض سابقاً للقمع أكثر من مرة (مجلة "السمندل")، بالإضافة إلى الممثلين المسرحيين الناشطين في المجال الاجتماعي، وبعض الأسماء التي يعتبر عملها استمراراً لموجات الفن الملتزم التي ظهرت خلال الحرب الأهلية. ولا ننسى مقدمَي الحفلة، بديع أبي شقرا وندى أبي فرحات، وقد رأيناهما سابقاً في نشاطات ذات طابع سياسي وحقوقي.

أما المشاركون للمرة الأولى في نشاط من هذا النوع، فهم الأكثرية، ومن المفاجئ كمّ الأسماء الجديدة هنا، حيث نجد أولاً منتمين إلى مشهد الستاند آب كوميدي Stand Up الذي لم يمر على ظهوره اللبناني أكثر من سنتين (بشكل خاص في نادي "كيد")، ومن المعروف كم النقد الاجتماعي والسياسي الذي يصدر منه، ما دفع أحد الاجهزة الأمنية إلى إرسال عناصره متخفين بشكل دوري لمشاهدة العروض (وفق ما أخبرنا أحد العاملين في هذا المجال)! بالإضافة إلى فنانين منفردين وآخرين من أنماط مثل الموسيقى الإلكترونية، الروك، إيندي، بوب، تريب هوب، ربما أكثرهم لم يتناول موضوعاً مرتبطاً بشكل مباشر بما يحصل بلبنان بشكل جدي سابقاً، ونراهم اليوم مهتمين بقضية "مشروع ليلى"، التي رغم أنها فنية وحقوقية في الظاهر، إلا أنها تحمل أبعاداً سياسية اتضحت تدريجيًا خلال الأسبوعين الماضيين.
 
هؤلاء لا يشاركون في الحفلة فقط كاحتجاج على القمع الذي تعرضت له حرية الرأي والتعبير الفني، بل تلبية لدافع فطري للتآزر ضمن جماعة بديلة عن تلك المهيمنة، تعيد لهم الأمان وتشعرهم بالقدرة على استعادة الفعل السياسي في وجه حملة تريد إراقة الدماء ونشر الخوف وتحاول إقصاء كل شخص مختلف من المجال العام وما تبقى من دوائر الفعل الثقافي.


وينظم هذا اللقاء الفني الجامع في الحمرا، التي يعرف عنها تقبلها للتنوع وقد انطلقت منها فرقة "مشروع ليلى" (الجامعة الأميركية - رأس بيروت) منذ عقد من الزمن، ويؤدي فيها عادة عدد كبير من الأسماء المشاركة في الحفلة. لكن اختيار هذه المنطقة تحديداً، لم يأت فقط بسبب تقبلها للتنوع، بل لأنه يتحايل على التناقضات الطائفية اللبنانية، بطريقة شبيهة لما كان يحصل في الحرب الأهلية مع فنانين مثل مارسيل خليفة أو زياد الرحباني مُنعا من أداء أعمالهما في "المنطقة الشرقية" من بيروت، لعدم تلاؤمها مع الأوساط السياسية المهيمنة، فاستقبلتهما المنطقة الغربية ورأس بيروت الأقرب لليسار في تلك المرحلة برحابة صدر.

لكن بما أننا لم نعد في زمن الحرب الأهلية، لا يمكن التعويل على هذا الخيار، فشارع الحمرا تهيمن عليه جماعات سياسية وأهلية تحمل إمكانات للقمع لا يستهان بها، ويمكن في أي لحظة أن يُمنع فنانون من أداء أعمالهم فيها، ويضطرون للأداء في مناطق مثل بدارو أو الأشرفية او حتى الكسليك.

كما أن الحديث عن أن الملجأ الوحيد للحريات هي رأس بيروت، مبالغ فيه، وجزء كبير من المجتمعات الموجودة في مناطق تنشط فيها المؤسسات الفنية والأندية الليلية، يعرف عنها قدرتها على تقبل التنوع أيضاً. فالمشكلة ليست هنا اليوم، بل في السلطة السياسية والطائفية التي أصبحت تحدد المعايير وبإمكانها منع أي شخص أو حفلة في أي منطقة كانت في حال رأت أنه يجرح "مشاعرها" أو يعرضها "للخطر".

لذلك ما يجب التعويل عليه اليوم هو الجماعة نفسها التي، يمكن أن تتشكل على ضوء القمع الذي تتعرض له الحريات من السلطات الدينية والسياسية، والتي بإمكانها التحايل على التناقضات اللبنانية والتعامل بمرونة أمام الواقع الطائفي المشرذم، لتقوية موقعها وتآزرها، وخلق حريتها من جديد في هذا الهامش الذي تتيحه جميع هذه التناقضات. 
للمعلومات الكاملة عن حفلة "صوت الموسيقى أعلى"، والمشاركين فيها، النقر هنا.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024