لافتة فاريا

روجيه عوطة

السبت 2019/06/01
أضافت لافتة فاريا، على لافتات العار المماثلة لها في لبنان اكثر من أمر. الأول، انها لم تمنع "العمال الأجانب"، وهم، في الأساس، كناية عن الشغيلة السوريين، عن التجول أو التواجد فحسب، بل عن الفعلين، يعني عن الوجود. الثاني، انها لم تتوجه بذلك المنع إليهم فحسب، بل، وإلى "عائلاتهم" ايضا، بالتالي، استهدفتهم في اطارهم الاجتماعي الأول والأخير، كما استهدفتهم معه. الثالث، انها عدلت وقت المنع، فبعد أن كان من ساعة كذا إلى ساعة كذا، شمل النهار والليل، يعني طيلة اليوم. الرابع، انها عينت مكان المنع بالاوتوستراد، وهو، في المخيلة العامة، المسلك الواسع للحداثة، الذي يتيح للمتنقل عليه أن يصل إلى مقصده بسرعة.


بهذه الإضافات، تقول اللافتة، بداية، وبوضوح، إنها لا تمنع وجود "العمال الأجانب"، بل انها تمنعهم من الوجود، يعني ان اصحابها يحتكرونه، مطهرين اياه منهم، لكن، وبالفعل نفسه، المنع يعني استغلالهم: عمال يشتغلون بلا أن يكونوا موجودين. كما أن اللافتة تشير إلى انهم كثر، مع "عائلاتهم"، وهذا يحيل إلى دعاية "انهم ينجبون كثيرا"، انهم "يتكاثرون" لدرجة لا يعود من الممكن تحديد وقت "تجولهم وتواجدهم"، بل إنهم يجتاحون كل الزمن العام، ولهذا يجب سحب المنع على كل ساعات اليوم. ولكن، اللافتة اياها ترتكز في منعها على مشهد، وهو أن اصحابها في سياراتهم على الاوتوستراد، ذاهبين إلى مقاصدهم، وهي على الأرجح أعمال ضرورية، ولكن، فجأة، يظهر "العمال الأجانب وعائلاتهم" أمامهم، فيعيقون حركتهم، ويجعلونهم متأخرين، وبهذا، يغيرون معنى الطريق السريع أيضا، بحيث لا يعود حديثا. في هذا السياق، تصور اللافتة "العمال الأجانب" محتشدين امام السيارات كأنهم زومبيات، يقطعون الاوتوستراد بلا علم به، بلا أن يعرفوا ما هو، كما أنها تصورهم متجمعين حول الاوتوستراد بعد اكتشافهم له، اذ يذهبون للتفرج عليه يومياً، وبذلك، لا ينتبهون انهم يعرقلون السير. وبين القول والتصوير، تقدم اللافتة اصحابها ككثيري الانشغال، يستقلون عرباتهم، منتقلين إلى مكاتبهم واسواقهم واجتماعاتهم ومصانعهم وشركاتهم، التي لا تكف عن تسيير اقتصاد البلاد ورفع انتاجيته ونموه. وهذا، على عكس "العمال الأجانب"، الذين يمضون "الليل والنهار" يتفرجون على الاوتوستراد مع "عائلاتهم". فأصحاب اللافتة، وبحسبها، هم العمال، أما، "العمال الأجانب" ، فعاطلون عن العمل، ولذلك، منعهم من الوجود غير مضر بل مفيد.


على أن اللافتة قد عُلقت في فاريا، في هذه المنطقة، التي تشكل مركزا من مراكز "الوجه السياحي" للبلاد، لذلك، تريد بمنعها ان تحافظ على "جمال" هذا "الوجه"،  بالانطلاق من دعاية استطيقية ضد "العمال الأجانب وعائلاتهم"، اي انهم "وسخين". فنافل التذكير ان عنصرية اللافتة هي عنصرية جمالية أيضا، وهي تفيد بان السواح، الذي يركبون سياراتهم، ويمرون على الاوتوستراد، يجب ألا يشاهدوا "العمال الأجانب وعائلاتهم" ، لأن ذلك سيسبب لهم ازعاجا بصريا من أشكالهم وملابسهم وتصرفاتهم. فيغري أصحاب اللافتة  سواحهم عبر تقديم خدمة لهم، وهي القضاء على "العمال الأجانب وعائلاتهم" لكي لا يصطدمون بهم، وعندها، يخربون "المنظر" الذين أتوا لمشاهدته، وتمضية عطلاتهم فيه.

لقد قالت لافتة فاريا كل شيء، عن كره "العمال الأجانب وعائلاتهم" طبعا، ولكن، عن بلدها أيضا، الذي، وفي زمن انزلاقه الكبير، يحاول نفيه باستكمال تحوله من ميت إلى قاتل جماعي، لكنه، في النهاية، لا يرتكب جريمة سوى بحق نفسه. على أن هذا القاتل حقير، يريد إلغاء "العمال الأجانب وعائلاتهم" من الوجود، وبالفعل نفسه، يريد الاستمرار في استغلالهم، وهذا القاتل تافه، لدرجة انه لا يزال يجد في الاوتوستراد علامة تميز وتطور. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024