عودة إلى إسكندر رياشي.. الأنيق الماجن والصحافي الفاسد والجريء

المدن - ثقافة

الخميس 2022/01/13
بمناسبة الذكرى الأولى لاغتيال الكاتب والناشر لقمان سليم، في 3 شباط، تعيد دار الجديد إصدار كتاب "نسوان من لبنان" للصحافي إسكندر رياشي(1890- 1961)، وكان سليم قد عمل على كتابة مقدمته، لكن يد الغدر سبقت باغتياله قبل صدروه. والكتاب حظي بطبعات شعبية، وكتبت الناشرة رشا الأمير أن هذا الكتاب "ردّه لقمان سليم إلى الحياة، سنسابق القرصان وننشره مجّانًا عبر موقعنا. النسخ الورقيّة عزيزة، ألف نسخة غير مرقّمة للخلّص تصدر لتحيّة لقمان يوم 3 شباط"...

وجاء في غلاف "نسوان من لبنان": "هذا الكتاب عظات سياسية واجتماعية متخيلة بحكايات غرام صاخبة يأتي فيها الكثير من تاريخ لبنان الحديث بين طوايا فراش الحب. هذا الكتاب وقائع حقيقية قام بها كاتب يريد أن يأخذ من الدنيا مباهجها- تاركاً الزهد والتكفير والخوف من جهنم ومخاوف الدهر -على الباب- لا تجسر على الدخول".

ومما جاء في مقدمة لقمان سليم: "ما من شك بأن الرياشي يسعه أن يشفع بالبلد الصغير، لبنان، فوق ما يسع القديسين والأولياء والأبطال والشهداء من ذوي السِّير العطرة حد الاحتناق بعطرها، والأخلاق الرفيعة حد الهزال، والمبادئ الراسخة حد الشلل، أن يفعلوا- بل أن يفعلوا فرادى وبالاتحاد... وأن يتقدّم الرياشي هذا النفر فليس لأنه لم يخش في الحق لومة اللوام، بل لأنه لم يخشها في الباطل والضلال، وفي الخفّة والعبث واللهو والمجون"...

والرياشي كان نقيباً للصحافة اللبنانية، قال عنه شمس الدين العجلاني إنه "عاش حياته بالطول والعرض وعلى طريقته الخاصة، وكان ساخراً بالفطرة، وخفيف الظل والدم منذ ولادته". كان صحافياً ظريفاً "سمّى الأشياء بمسمياتها، تقاضى رشاوى الدنيا!؟ وقبض وقالها بالفم الملآن إنني أقبض من فوق الطاولة وهم يقبضون من تحت الطاولة!؟"

يقول عنه أنسي الحاج: "إسكندر الرياشي شيء آخر. إنه لا يتمسخر بل يضع حاله على الورق. إباحته لذاته هي المصدر، والسخرية فرع من هذا المصدر. طرافته أنه يتعرّى بالكامل، ويتحداك أن تجاريه. لم يُجاره أحد من أهل الصحافة ولا من أهل الأدب. «اكزيبيسيونيسم» كارج، كَرْج الحَجَل، في لغة حية، نصف شفهية، أشد ما يدهش فيها أنها لا تخاطبك على أساس أنها ظريفة خفيفة، بل على أساس أنها عابسة متوترة وقليلة الصبر. إسكندر الرياشي يُطَقطق من الضحك لكنه هو لا يَضحك أبداً"...

اشتهر الرياشي باسم جريدته "الصحافي التائه" التي أسسها العام 1922 وأصدرها في زحلة ثلاث مرات في الأسبوع. وظل حتى وفاته في الستينيات، يكتب موادها بنفسه، ويعتقد أن الناس ستشتريها بسبب ظرفه وأسلوبه. اتبع الرياشي أسلوباً جديداً جريئاً في تحرير جريدته، وخصص مساحة في جريدته لطلبات الزواج. فتلقى من إحدى القارئات رسالة تقول: "أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري. متوسطة الحال. لا جميلة ولا غنية... أريد رفيقاً لحياتي حائزاً الشروط التالية: يكون في الثلاثين من عمره، له كل الصفات الحسنة. يجب أن يترك عمله عند المساء ليأتي لبيته. وأن يكون أحسن مني حالاً. يجب أن يكون قلبه نقياً". نشر الرياشي هذه الرسالة في جريدته بتاريخ 15 تشرين الثاني 1922، وعلق عليها: "إنني لو وجدت شاباً له الصفات التي تطلبينها، لذهبت حالاً وأنا حامل كيسَيْ ملح لتحت قوس القزح، ولصرت فتاة جميلة، ولأخذته أنا ولم أتركه لك ولا لغيرك".

يذكر شمس الدين العجلاني أن "الصحافي التائه" صدرت في بيئة محافظة، لكن الرياشي تحدى هذه البيئة وفتح صفحات جريدته للكتابات في العشق والغرام وعن الجنس اللطيف، وهذا ما أغضب مطران الكنيسة في زحلة، فاستدعى الرياشي لافتاً نظره للكف عن مثل هذه الكتابات المخلّة بالآداب. لكن الرياشي لم ينصَع لتعليمات المطران، ما دعا المطران إلى الدعوة في الكنيسة لمقاطعة جريدة "الصحافي التائه" علناً. وبعد هذه الدعوة خرج الناس من الكنيسة، وتوجهوا إلى المكتبات والدكاكين لشراء "الصحافي التائه" وقراءة الممنوع المرغوب فيه. ولما كان الإقبال كثيفاً على "الصحافي التائه"، فقد اضطر الرياشي إلى إصدار طبعة ثانية.

ويصف سمير عطالله، الرياشي، بأنه "أحد ألمع الظرفاء الذين عرفهم لبنان في السياسة والصحافة والسخرية و"تركيب المُقَلاّت". كان مخضرماً، عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام، أي عاش وعمل في زمن الانتداب الفرنسي، ومن ثم عاش وعمل وعاشر أهل الاستقلال. في اعتقادي انه لم يدرك مرة أهميته الكبرى كمؤرخ للمراحل التي عاشها. وبسبب نظرته الوجودية الى الناس والحياة، وخصوصاً الى السياسة، لم ينتبه، على الأرجح، الى أنه كان من أندر وأقدر الروّاد في هذه المهنة".

وجاء في مقدمة كتابيه "قبل وبعد" و"رؤساء لبنان كما عرفتهم"(دار اطلس): إسكندر رياشي، "البلاي بوي" الأنيق، سمسار الفرنسيين وعميلهم باعترافه، لاعب القمار مع كبار السياسيين، والآكل على موائدهم، ومشاركهم في حفلاتهم "الرو..مانية" الصاخبة وصفقاتهم، والشاهد على فضائحهم الجنسية، كان أفضل مؤرخ لتلك الحقبة من تاريخ لبنان الممتدة من نهاية الحرب العالمية الأولى إلى سنة 1958، وتبوء الرئيس الراحل فؤاد شهاب سدة الحكم في لبنان. الفرق بين رياشي وسواه من أبناء عصره أنه كان حرامياً "جنتلمان"، في حين كان معظم أترابه من سياسيين وصحافيين حراميين حاف! إننا ننشر هذا الكتاب اليوم لكي لا يصطنع أحد للبنان تاريخاً مزوراً نكاية بتاريخ مغيب!".

واللافت في هذا المجال أن دورة الزمن تعيد نفسها اليوم تماماً كما أعادت نفسها سنة 1953 عندما صدر كتاب "قبل وبعد" للمرة الأولى. يقول المؤلف قبل أكثر من 53 سنة: "أسهبنا في هذا الحديث لنقول تماماً للجيل الحاضر، ولأصحاب الانقلاب الأخير بلبنان، الذين يدّعون أن الفساد وُلِد بعد الاستقلال - أسهبنا لنقول لهم إن الفساد قديم جداً، وقد كان في عهد الجمهورية الأولى، كما كان - وكما هو - في عهد الجمهوريات الثلاث التي تبعت. وسيبقى هكذا في الجمهوريات الأخرى التي ستتبع طالما أن بيروت هي بيروت، والجبل هو الجبل... وجل ما هناك ان الأشياء كانت تجري في السابق بنوع من الظرف والكتمان، ولم تكن العين قد وصلت الى الوقاحة التي هي فيها الآن". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024