روجيه عوطة
- مع قراءة شعرك، هناك احساس دائم يعبر كل قصيدة، وهو نوع من الخمول، الخمول، الذي تحولينه إلى مسقط للمعنى، والذي غالباً ما يلازمه التهكم... لماذا يشغلك هذا الإحساس؟
* حين أعبّر عن هذا الخمول، لا أكون في صدد الشكوى منه. بل أنا معجبة به، ومعجبة باكتشافي له، وإرتياحي إليه. أجده طبيعياً جداً، ويليق بهذه الحياة التي كل ما فيها وكل من فيها يطالبك بالانجاز. وهذا أمر لا يناسبني، إنما يضحكني. لا أجد أن لدينا هدفاً أو أهدافاً في هذه الحياة، النشاط أو الإنجاز هو أساس تحقيقها. فعيش الحياة، إن قرَّرنا الاستمرار فيها كفرض، هو بعينه الهدف. أما كيف نعيشها، ففي ظني بالبحث عن اللذائذ، الصغيرة منها والكبيرة.
ولهذا أتهكم معلنة، انتصار الخمول، أو تمجيده في وجه دعاة الإنجاز. فالخمول، والتهكم، هما من وسائلي للاستمرار في العيش على هذا الكوكب الفاسد والجميل. ولا أرى أن هناك وسيلة أخرى تجعل الوجود – طالما أنه وقع – ممكناً. فكل الاحترام لهما.
- لا ينطلق سردك، وفي أغلب مقالبه، بلا تعيين مكان وزمان واحد له، يدور في غرفة، في زنزانة، خلال وقت بعينه، هل يساعدك على التمكن من تفاصيله؟
* كل شيء يحدث داخلنا. نحن محور الأحداث، وحيث نكون تكون. وكل ما أبحث عنه أجده عندي، في مكاني، وفي محيطي الضيق. لا شيء خارج الرأس، ولا خارج مرمى النظر، لا شيء حيث لا تصل يدي أو ساقي. وما يمكن أن يحصل في سنوات، من الممكن أن يحصل في دقيقة. وبما أني أحب الكثافة، وأبحث عنها، فلا أذهب إلى التفتيش بعيدًا. فبالسرد أجدها هنا وحولي وفيَّ.
- ترفعين سردك دائماً على محمل الأنا، وهي، في لحظاتها القصوى، تكون لامبالية، ومن هذه اللامبالاة، تجد منفذها، وهذا حتى لو كانت في السجن. هل تجدين أن هذه الأنا، طريقة وجودها، هي سبيل إلى الحياة؟
* لا أعرف ولم أتعرَّف على أي شيء خارج هذه الأنا، إذ أبحث دائماً فيها، وهذا، انطلاقًا من قناعة تفيد بأني، في حال تعرفت عليّ، في مقدوري التعرف على كل شيء. وعملية البحث يجب في اعتقادي أن يدور في رجائه الأساس، فخارج "الأنا" الخاصة بأي شخص منا، تكون الأجوبة جاهزة ومعلبة دائماً.
- روايتك الجديدة، "بعد ظهر يوم أحد" تحيل بعنوانها إلى عنوان مجموعتك الشعرية "نحن الذين نخاف أيام الآحاد"، ما هو يوم الأحد في حسبانك؟
* أحبُّ الآحاد، تمامًا كما أحب ليالي رأس السنة، وفترة الامتحانات والأزمات. أمام هذه المناسبات أو الأيام، تسقط كل الحواجز بين الناس، لأن المناسبة تجمعنا. فكما في وسعك أن تبتسم لأي شخص لا تعرفه يوم رأس السنة، وتطمئن على الغرباء بعد زلزال، بإمكانك أيضًا أن تشعر بخيط وهمي يربطك بالجميع أيام الآحاد. شكل ستائر الشقق المقابلة، يتحرك بشكل مختلف يوم الأحد، صوت الهدوء مختلف، كل الأصوات الآتية من الخارج مختلفة.
ينتابني شعور دائم أن للآحاد لوناً ونكهة واحدة لدى الجميع، وهي كخريف الأسبوع، تمامًا كما هو الوقت بين الساعة 7 والساعة 9 من كل يوم. الآحاد تحمل خيبة نهاية الأسبوع، وتحمل أوجاع المعدة قبل بدء أسبوع طويل آخر. هي نقطة نهاية الأغنية، والإنذار بإعادتها مجدداً مرة بعد مرة بعد مرة.
- في مقدورك ان تؤلفي نصاً سردياً عن فعل مألوف، ولا يُعدّ محط انتباه، الصعود على سلم خشبي إلى السطح مثلاً، هل هذا ابتعاد عن مسائل روائية كبرى، تبغي أن تكون تأريخاً، ومحاولة "تسريد" مواقف صغرى؟ أستفهم منك بطريقة أخرى:"على ماذا تسردين؟"
* وما المسائل الكبرى؟ وكبرى لمن؟ أرغب في الظن أن المسائل التي تشغلني أو أهجس بها كلها كبرى، مهما صغرت كتفاصيل. الحساسية هي ما يحركني، وهي قضيتي الكبرى. وهي تماماً كالآحاد، وكليالي رأس السنة، بحيث تصيبنا جميعنا، وبالتالي، تجمعنا.
- في روايتك الجديدة، البطلة بلا اسم ولا هوية، لماذا؟
* في الروايتين لا اسم للبطلة. أحاول ألا أضيف ما لا داعيَ لإضافته. ما الذي كان سيضيفه اسم هاتين الشخصيتين على أحداث الروايتين؟ لا شيء على الإطلاق. لا علاقة للاسم بتركيبة الشخصية. أنا أيضًا لا أذكر مهنتها، لكني أبيّن أثرها في الشخصية. تمامًا كالكثافة، أنا مهتمة بالحذف. وأتمنى أن أصل إلى مرحلة ليس فيها حرف واحد زائد. الزيادة تذكرني بالغبار.
- هل فعلاً تريدين أن تكوني كاتبة مشهورة؟
* نعم. أريد أن أكون كاتبة مشهورة، ورسامة مشهورة إن أمكن، وهذا، رغم كوني أستبعد ذلك. وهكذا، أنهي إجابتي مثلما بدأتها، أي بضحكتي نفسها.