نوبل للآداب للمعارِضة أولغا توكارتشوك.. وصديق السفاح بيتر هاندكة

المدن - ثقافة

الخميس 2019/10/10
منحت جائزة نوبل الآداب للعام 2018 إلى الكاتبة البولونية أولغا توكارتشوك بعد إرجائها السنة الماضية بسبب فضيحة جنسية، فيما نال النمسوي بيتر هاندكه مكافأة العام 2019. وقال الأمين العام الدائم للأكاديمية السويدية المانحة للجائزة، ماتس مالم، إن أولغا توكارتشوك كوفئت "على خيالها السردي الذي يرمز من خلال شغف موسوعي إلى تجاوز الحدود كشكل من أشكال الحياة". أما بيتر هنادكه فقد كوفئ على أعماله "التي غاصت في فرادة التجربة البشرية، مدعومة ببراعة لغوية". وكان لافتاً أن الاسمين تداولتهما وسائل الإعلام كمرشحين للجائزة، وان كان فوز أولغا مفاجئاً نسبياً. في المقابل، بدا فوز هاندكة أشبه بحدث روتيني، فهو كأنه تجاوز هذه الجائزة في شهرته وحضوره وانتشاره. 

لم تُترجم أولغا توكارتشوك الى العربية من قبل، وإن كانت عُرفت من خلال مجموعة من المقالات وبعض النصوص والقصص المترجمة في الصحف و"فايسبوك"، ويتردد ان ثمة رواية لها تُترجم وتصدر قريبا عن "دار التنوير"... وسبق أن فازت أولغا بجائزة "مان بوكر" للرواية العالمية المكتوبة بالإنكليزية للعام 2018 وذلك عن عملها "رحلات" أو الترحال. وفيه تستعرض الكاتبة حكايات عن السفر عبر الزمن، وتربط ذلك بشكل فني بجسم الإنسان، والذي تُستنتج من خلاله طرق الحياة والموت والحركة والهجرة. تطير الكاتبة إلى القرن السابع عشر، وتسلط الضوء على قصة عالِم التشريح الهولندي فيليب فيرهاين، الذي قام بتشريح ساقه المبتورة ورسمها، أما خلال القرن الثامن عشر، فتستعرض قصة العبد المولود في شمال أفريقيا لكنه بعد موته ظهر مرة أخرى في النمسا.

درست توكارتشوك علم النفس في جامعة وارسو، ولدراستها الجامعية أثر واضح في نتاجها الأدبي، لذا كان أول عمل أدبي لها مجموعة شعرية نشرت العام 1989. ونشرت حتى الآن أكثر من 8 أعمال روائية إلى جانب مجموعتين قصصتين. وإلى جانب عملها في الكتابة الروائية، تشرف توكارتشوك على مهرجان أدبي قرب محل سكنها في جنوب بولندا.

ولا تتردد الروائية في الإعراب عن مواقفها المناهضة لموقف الحكومة البولندية اليمينية المحافظة. وقالت في مقابلة لها في التلفزيون الحكومي العام 2014، إن بلادها ارتكبت أعمالاً فظيعة عبر تاريخها واستعمرت دولاً أخرى، واضطر ناشر أعمالها إثر ذلك إلى تدبّر حراسة شخصية لها لحمايتها، وصرّحت في ما بعد: "لقد كنت ساذجة جداً. ظننت إننا بتنا قادرين على مناقشة الصفحات السوداء في تاريخنا".

صاحب "خوف حارس المرمى"
أما بيتر هاندكة فمعروف على الصعيد العربي، ترجمة له "الشقاء العادي" دار الفارابي و"المرأة العسراء" - دار الآداب، و"خوف حارس المرمى من ضربة الجزاء" و"رسالة قصيرة للوداع الطويل" دار الجمل...

خلال مسيرة أدبية امتدت أكثر من نصف قرن، تمكّن هاندكه من أن يصبح واحداً من أبرز أصوات الكتابة باللغة الألمانية. تنوّعت إبداعاته بين كتابة الشعر، والرواية، والمسرحيات، والقصص القصيرة، والمقالات. لعبت صداقته مع المخرج الألماني، فيم فيندرز، دوراً كبيراً في تحويل مجموعة من رواياته إلى أفلام نذكر منها: "خوف حارس المرمى من ضربة الجزاء"، و"المرأة العسراء"، و"أجنحة الرغبة". انتحرت والدته في العام 1971، وقد تناول هذا الانتحار في كتابه "الحزن وراء الأحلام" بالإضافة إلى زوج والدته مدمن الكحول الذي كان يعنّفه بشكل مستمر، مما جعله كارهاً للقيود الأسرية.

استطاع هاندكة أن يؤسس مكانة خاصة في عالم الكتابة المسرحية من خلال التفاعل مع الجمهور؛ إذ اعتبره النقاد خليفة بريخت. لكن هاندكه المشاغب يعدّ واحداً من أكثر الكتّاب في العالم إثارة للجدل؛ خصوصاً بعد موقفه الداعم للنظام الصربي خلال الحرب اليوغسلافية. ومنذ أن نشر مقاله بعنوان "الرحلة إلى الأنهار: العدالة لصربيا"، لم تتوقف أقلام النقاد عن مهاجمته واعتبار تصرفه عنصرياً ينم عن أنانية شخصية، ولم يكن هذا حال النقاد أيضاً بل أفراد شعوب المنطقة كذلك.

آنذاك، لم يكتف هاندكه بإعلان موقفه من الحرب، بل سافر في العام 2006 إلى صربيا ليشارك في جنازة الديكتاتور الصربي ملقياً خطاباً أمام قبره. انحاز هاندكه إلى الصرب، واتخذ موقفاً يعتبره كثيرون موقفاً سياسياً خاطئاً. لم يتحمل أحد تصريحات هاندكه التي بثها وسط عشرين ألفاً من أنصار اليمين الصربي، لا على المستوى السياسي وحسب، بل والأدبي والإبداعي كذلك. فحجبت عنه جائزة هاينرش هاينه (دوسلدوف) بعدما كان أبلغ فوزه بها شفوياً قبيل ذهابه إلى جنازة ميلوسوفيتش بأيام، وقام مدير أكبر المسارح الفرنسية مارسيل بوزونّيه بإلغاء عروض لبعض مسرحياته. وأربك ما قام به بوزونّيه، المسرح الفرنسي ككل، فاعتبر الفرنسيون لاحقاً أن ما قام به الأخير لا يمثل إلا نفسه، وأنه لن يكون هناك منع لأعمال أو مسرحيات هاندكه. وفي العام 2014 تكرر الموقف نفسه تقريباً. لجنة جائزة إبسن تحتفي بهاندكه الأديب، لكن هذا الاختيار يثير انتقادات سياسية في النرويج، ويتسبب في اندلاع تظاهرات البوسنيين والألبان الذين يعيشون هناك الذين اختزلوا الكاتب في موقفه السياسي من قضية صربيا. لم يتجاهل هاندكه المتظاهرين، وتوجه إليهم "لينظر في عيونهم"، كما قال لوكالات الأنباء. تنازل هاندكة عن قيمة الجائزة الضخمة، متبرعاً بجزء منها لبناء مسبح للأطفال في كوسوفو، أما باقي الأموال فقد أوصى بإعادتها إلى خزينة الدولة النروجية. 

وحصد هاندكه العديد من الجوائز الأدبية المرموقة منها: "غيورغ بوشنر – 1973"، و"فرانز كافكا – 2009".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024