رياض نجيب الريّس.. الأشبه ببيروت

خالد زيادة

الإثنين 2020/09/28
واكب رياض نجيب الريّس التطورات التي شهدها العالم العربي خلال حياته، وهو المولود في دمشق، التي غادرها إلى لبنان في سن الصبا ليتابع دراسته، ثم إلى بريطانيا ليتابع تحصيله ليعود إلى بيروت خلال سنواتها المزدهرة والصاخبة.
كان منذ سنوات دراسته قد قرر أن يتابع مهنة أبيه نجيب الريّس، المناضل وأحد رجالات الحركة الوطنية وصاحب قصيدة "يا ظلام السجن خيّم.."، وكان قد فقد والده باكرًا، قبل أن يتجاوز الخامسة عشرة من العمر. فقرر أن يعيش والده في وجدانه وعمله، ولهذا لم يستغنِ يومًا عن ذكر اسمه الثلاثي. كما أراد أن تعيش سوريا الأربعينات في قلبه، فلم يكتب عنها شيئًا، رغم أنه أفسح المجال في دار النشر التي أسسها وفي الصحف والمجلات التي أصدرها لكتّابها وشعرائها وروائييها.

كان رياض نجيب الريّس إذًا يعيش في بلدين: سوريا التي تنحدر إلى الانقلابات العسكرية وإلى الشعبوية والحزب الواحد ثم الثورة المغدورة والاحتلالات الخارجية. ومن جهة أخرى كان يعيش في بيروت الستينات والسبعينات التي كانت تشهد ازدهار صحافتها ودور نشرها ومجلاتها الفكرية والأدبية. في وسط هذه الفترة نشر ديوانه الشعري الوحيد "موت الآخرين"  ملتحقًا بالحداثة الشعرية. قبل أن يصبح مراسلاً لجريدة "النهار" في الخليج العربي الذي كانت رياح الشمال والجنوب والسموم تهب عليه.

غادر بيروت مع بداية الحرب ونشر صحفًا في بريطانيا وأسس شركة رياض نجيب الريّس للكتب. وما ان انتهت الحرب، رجع إليها ومعه أحدث دار نشر عربية، تمنح الجوائز للشباب وتنشر مجلتها "الناقد" التي فتحت صفحاتها للجيل الجديد من الأدباء والنقاد والشعراء. لتصبح المجلة المشاكسة التي تمنع أغلب الدول العربية عبور حدودها. 

جمع رياض نجيب الريّس في شخصه خصالاً عديدة، قلما تجتمع في شخص: الجرأة الأدبية والكرم والتواضع وقبول الآخرين على علاّتهم، كما جمع بين السخرية المرّة والمهنية الصارمة. 

لا أعرف شخصًا يشبه رياض، لكنه الأشبه ببيروت، فقد عاش شبابه في عز شبابها ونضارتها، وأطل منها على العالم العربي، كما أطل عبر صحافتها ودور نشرها، وغادرها حين قسمها المتحاربون وعاد إليها متفائلاً بنهاية الحرب، وانتباته أزمة قلبية مع أول أزماتها، وانتابه المرض مع مرضها وها هو يغادرها بعد انفجار مرفئها.
وداعًا رياض.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024