"مدرّبو الحياة": من الحطام الى أقرب صالة عرض

روجيه عوطة

الإثنين 2017/07/17
منذ فترة، بدأت تروج في لبنان ثقافة "اللايف كوتشينغ" أو "التدريب على الحياة"، اذ بدأنا نرى إعلانات كثيرة تفيد بأن هذا المدرب، الذي غالباً ما يوصف بـ"الماهر"، جاهز لـ"تعليم الإدارة، والقيادة"، أو لـ"تعليم التفاعل والتوازن"، وذلك، في مجالات، أو بالأحرى في مضامير عديدة، كالأسرة، والعمل، والعلاقة العاطفية، والتصادق، وغيرها. وطبعاً، لا يمكن لهذه الثقافة أن تكون على حال رواجها، ان تغدو موضة، بلا إقبال عليها، فقد يسمع المرء هنا أو هناك عن التحاق شخص ما بدروسها، أو حصصها، لكي يتخلص من مشكلة تعيق عيشه، أو وضع يحتجزه. بالتالي، تطرح "التدريبات" نفسها كمخرج الأناس من أزماتهم، بحيث "تدربهم" على تلقفها من خلال التركيز على أمور محددة، من المتاح اختصارها بمقولات غير ممحصة كـ"تطوير الشخصية"، و"التفكير الإيجابي"، و"تحقيق الأهداف"، و"التواصل الجيد". تالياً، تحاول مدهم بمجموعة من الوسائل، التي يستندون إليها من أجل التغلب على الصعوبات والعراقيل. 

على أن التحول الى طالب "التدريب" يكون، وفي الكثير من الأحيان، مسبوقاً بموقف معين، وهو موقف الارتطام بموت العادات والتقاليد، التي يتكئ ممارسوها عليها في تعاملهم مع أغيارهم، ونتيجة ذلك، كانت تصيغ ذواتهم. من هذا الموقف، ينم احساس بما يشبه الضياع، الذي يودي بصاحبه الى التفتيش عما يعتمد ويعول عليه، عن مرجع، يسمح له في تخطي ما يحسبه مأزقه. غير أن هذا التخطي محكوم بمسار تقني، أو "كتالوغي" على وجه الدقة، يخبر فاعله بأنه يتوجب عليه أن يفكر بهذه الطريقة، وأن يتكلم بهذه الطريقة، وأن يتصرف بهذه الطريقة، وأن يشعر بهذه الطريقة. بعبارة واحدة، يتوجب عليه أن يؤدي صورةً لم يخلقها بنفسه ولنفسه، صورة هي سبيله الى ما ترفع "التدريب" من شأنه، الى السعادة.

فـ"التدريب على الحياة" يعني نفي الارتطام بموت العادات والتقاليد، نفي الحالة التي ينتجها، اي الضياع المقلق، عبر تأدية صورة تدفع موضوعها، "المتدرب"، الى الاستسلام لها كي تبتلعه. فكلما أكثر من استهلاكها، تصير مسيِّرته، تصير مركبته الى "الحياة". فالأخيرة، بحسب "الكوتشينغ"، ليست سوى استديو ضخم، وعلى الداخل إليه أن يجد صورته التي تضعه على اتصال خال من أي تشويش مع صورة ثانية، أما، الموجود خلفها وتحتها، فغير مهم، طالما أن نكرانه نافذ للغاية.

تقول "الكوتشينغ" لجمهورها: تدربكم يعني ألا تجربوا، يعني ألا تتعلموا من تجاربكم، يعني ألا تتقدموا فيها سوى على متن صور، جرى اختيارها لكم، وما عليكم سوى اختبار طاقتكم على تمثيلها، على المغالاة في تمثيلها، بالكامل. خلال ذلك، يستبدل الجمهور العادات الميتة بإيماءات فورية، والتقاليد الميتة بمشابهات مجانية، ويستعيض عن ضرورة صناعة عادات وتقاليد أخرى، تسيره فعلياً، ولا تخيل له ذلك فقط، ببذل جهده في الاندماج في صوره كباب تكيفه في الاستديو الذي يدعى "الحياة". في المحصلة، على الجمهور أن يبتعد عما يتركه موت العادات والتقاليد فيه من آثار، وأن يبتعد عن فهم هذا الموت، وعن ادراك ظروفه: الركوب في الصور عبر تأديتها للعبور فوق الحطام الى اقرب صالة عرض فيه، الى اقرب صالة لإلغاء حقيقة الضياع المقلق، الذي عرف صامويل بيكت التعبير عنه بجملة رهيبة: "كلنا حر ومتروك".

حين تبشر "اللايف الكوتشينغ" بمخرجها، فهي تفعل ذلك من خلال تحديد دور استيهامي لـ"المتدربين"، الذين عليهم تمثيله كي ينخرطوا في استديواتهم الحديثة. وهم، حين ينجحون في تأديتها، في نسخها، يغتبطون على اعتقاد بأن شعورهم هذا سببه تحقيق ملكات أنفسهم. لكنهم، في الواقع، يغتبطون لأنهم امتثلوا لدورهم، وصوره، أكثر، لأنهم، وببساطة، مضوا في اغترابهم أكثر. فقد يكون احد تعريفات "التدريب على الحياة" هو الدمج التعيس في استلاب مغبط.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024