عايدة حلوم واستبطان الانفعال

نزار عثمان

الخميس 2017/05/11
من الطبيعة إلى المشاهد القروية، إلى تفاصيل وأركان بيتية حميمية تتنقل الفنانة عايدة حلوم في معرضها المقام في غاليري عايدة شرفان، في حركية منسجمة رافضة للتقليد وتنعم بومضات ابتكارية خلابة ووضاءة.

تشتغل عايدة حلوم على عناوين أرادتها تعبيراً عن مزاج شخصي، بتنقل بين الألوان والمسطح التصويري، بكثافة لونية، وإحساسات ملموسة، ما جعل عملها مصدراً لانبثاق رمزي تتأتى من خلاله الصور وفق تأليف مستعار من المحيط الذي تعيشه الفنانة، تتعرف من خلالها عليه وينبئ عنها، ضمن تفاصيل مدروسة بعناية، ووفق عفوية ومناخ وإشارات وتمظهرات تنطلق من الوعي الباطني، لتعكس من خلاله منظارها للعالم الخارجي، وتعيد قولبته بإطار مقاربتها للأشياء.

لا شك أن للفنانة أسلوبها الخاص وتقنيتها المتفردة، التي تستدعي مروحة لونية تبلور إحساساتها وتجسدها على سطح اللوحة، بطريقة تقربها إلى الانطباعية حيناً، وإلى الوحشية حيناً آخر، ما يشكل صورة مشهدية، ويستبطن قيمة انفعالية عالية ومرتبطة بمركزية اللوحة، المتمثلة بكرسي أو شجرة أو إناء زهور.

تحضر الحركة في لوحات الفنانة حلوم، بطريقة متتابعة في ما يشبه الشبكة التي أرادتها الفنانة مسرحا للتجريب على البياض، ذلك أن أعمالها الفنية المفعمة بالألوان المتناغمة حيناً والمتشظية حيناً آخر، والمتجاورة بتألق، ترمي إلى جعل الرائي يستمتع بالنتاج الفني، ويسافر في ثناياها إلى العالم الذي أرادته معبراً لفنها، ومسرحاً لتجربتها، وجسراً لما يعتمل في داخلها.

قد يبدو للوهلة الأولى أن غموضاً أو التباساً يحيط ببؤرة لوحة الفنانة حلوم، مع تضافر الألوان وتداخلها وتشعباتها، ما يجعل الموضوع الرئيس، أو قل المفردة الأساسية، تقترب من الإبهام وانعدام السفور، غير أن من يمعن النظر أكثر في اللوحة يجد أن غالبية العناصر تتناغم وتتبلور وتتمحور وفق سياق واحد من الملموس في ثنايا العمل الفني، والذي ينقل الواقع المرئي محوراً ومتبدلاً ومتغيراً بحسب ما رغبت به الفنانة، وما استبطنته تجربتها من تأويل للواقع بدلاً من التمثيل المباشر له.

تكشف الفنانة عن قيمة التبسيط في التناول، والاختزال للعناصر الطبيعية المتشعبة في عملها الفني، فعناصرها الفنية المتوائمة مع ألوانها وخطوطها تغتني بمحاكاة خاصة للطبيعة، ليس عبر استنساخ صورها كما هي، بل وفق إعادة قولبتها، ومزجها مع مناخ إنفعالي وشعوري ينم عن تمكن في المقاربة، تتماوج فيها ضربات الريشة مع تعرجات ومنحنيات الأشكال محل التناول، ما يخرج العمل منساباً قوياً ومتجذراً في ذات الرائي.

تنعم لوحة عايدة حلوم بشيء من العفوية، التي تتأتى من ضربات عريضة بالريشة على متن اللوحة، مع إضافة مسحات تصحيحية أو لمسات إضافية تشذيبية يتطلبها العمل في تكامله الجوهري، الأمر الذي يبلور توازناً بين اللاشعور والشعور في إتمام العمل الفني، وهو ما برعت فيه الفنانة في معرضها، بحيث تتقاطع الأعمال وفق أشكال متتابعة تدور حول نقطة مركزية، وتتمحور في إطار من الحس والتركيز في آن.


• يستمر المعرض حتى 4 حزيران في غاليري عايدة شرفان – بيروت
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024