شادي غديريان: عزلة صاخبة جداً

جوزيف الحاج

الخميس 2015/10/29
تقيم المكتبة البلدية لمدينة ليون الفرنسية (حتى كانون الثاني القادم) معرضاً إستعادياً لأعمال الإيرانية شادي غديريان Shadi  Ghadirian.

درست غديريان (1974) التصوير بجامعة آزاد الخاصة في طهران. هي من أوائل مصوّري التسعينيات الإيرانيين الذين أسهمت أعمالهم في تبديل مفاهيم الفن والمجتمع الإيرانيين. تميّز أسلوبها بفرادته وتباينه مع الصور القاسية والفظة التي راجت في نهاية تلك الحقبة، في الداخل الإيراني. بلغتها الفنية، لم تواجه صورها تناقضات المجتمعات الشرقية فقط، بل نظرة الغرب إلى هذه العوالم. بإبداع، مزجت المواضيع ذات الطابع الإجتماعي مع المحرّمات. غيّرت وجهة الفوتوغرافيا الإيرانية المعاصرة، ممهدة الطريق أمام العديد من الفنانين لمقاربة فوتوغرافية مغايرة.

عن عملها الأول "كاجار" (السلالة الحاكمة بين 1786- 1925) قالت: "تأثرت بنظرات مصوّري تلك الحقبة لأهميتها في تاريخ التصوير الإيراني. أدهشني عدد الصور الضخم، بينما صور النساء شبه نادرة بسبب التحريم.  كذلك يحرّم اليوم إعادة طبعها، بقصد حجب ماضينا المصوّر. جائتني فكرة العمل من مقارنة عملي مع صور الماضي".

في "الآنسة فراشة" غريزة البقاء البدائية الجماعية، وسرد وعي مربك لنظام إجتماعي، هو الوسيلة الوحيدة لتبرير الأمان والهوية. نظام إنهار من دون أن يضمن العدالة ولا الأمل.  مواجهة موجعة للقهر، عبر الهجرة، أو على الأقل، المحافظة على الحلم بالأمان والأمل بمستقبل أفضل.

"مثل كل يوم" اعتبرته موضوعاً إجتماعياً، مرتبطاً بثقافة كانت تهادنها. "لم تكن الهدايا والأشياء اليومية تعنيني، لكنها احتلّت حيّزاً مهماً من حياتي اليومية بعدما صرت أمّاً، لهذا السبب تناولتها كموضوع إجتماعي".

"هل هذه الصور شهادات أم إحتجاجات؟" تساءلت. إحتلّت هذه الصور ملصقات نسوية. إنتقدها الرجال لإعتقادهم أنها تسيء إلى المرأة. تردّدتُ بعرضها، أحبطتُ، وفي النهاية تجرأت على عرضها. "فيما بعد أدركتُ أنها أشبه بمحاكمة وجدال حول حقوق المرأة".

بعد "الآنسة فراشة" لم تعد مطمئنة. خافت حتى على أطفالها وافتقدت إلى الحماية. "كنت مثل فراشة تسدّ كل الثقوب لأجل للحماية. اعتزلتُ في المنزل خوفاً، مستعيدة زوار المعرض المربكين".

"كوني ملوّنة" صورٌ عن حساسيتها تجاه موضوع المرأة، ونظرة الرجل المتطاولة. تساءلت عن سبب ارتداء المرأة للألوان الداكنة. "حتى المدن تبدو رمادية. صعقتني ألوان الهند.  الموضوع هنا هو المرأة بلباس ملوّن على خلفية رمادية".

تتذكّر غديريان الثورة والحرب. "الرجال صوروا حروبنا، قبل أن نتعرّف على نظرة المرأة إليها. الفنانون مثل المحللين النفسانيين، لكن وسائلهم فنية. أعدُّ اليوم كتاباً عن الحرب بعد زمن طويل على نهايتها، أبحث عمّن صورها. الحروب لا تنتهي، وأنا أيضاً لم تنته حربي بعد.  عشتها مراهقة فطبعت حياتي كلها. كانت تجربة سيئة.  لقد حُرمنا من أشياء كثيرة.  تدخلت السلطات في حياتنا، كان ممنوعاً علينا الإلتقاء بالجنس الآخر، أو تغيير هندامنا وألوان ثيابنا وأحذيتنا. كانت فترة إنغلاق. شباب اليوم أكثر جرأة".

تقول عن الفوتوغرافيا الإيرانية المعاصرة: "تبدّلت كثيراً بعد ظهور الإنترنت. قبل ذلك، كانت النظرات أكثر صفاءً، والفوتوغرافيا أكثر واقعية. اليوم، لم تعد أعمال الشباب ملائمة، فأكثريتهم متأثّرة بالغرب، أو تقلّد مشاهير المصورين. إنهم يتمنون لو يدخلون السوق الغربية ليبيعوا أعمالهم. برأيي، تحوُّل العالم إلى مجتمعات إستهلاكية إنعكس على الفن وعلى الفوتوغرافيا عندنا".    

في الآونة الأخيرة بدأت شادي غديريان تشعر بالحاجة إلى إدخال الحركة إلى قلب صورها،  فإختارت الفيديو لعملها الأخير "عزلة صاخبة جداً"، ركّبته من "لقطات ثابتة تشبه صوراً فوتوغرافية، لا تسرد قصة،  بل أجزاء من لحظات الصور. إننا شهود نتحرّك".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024