كرة القدم كطَاعون عاطفي

روجيه عوطة

الإثنين 2018/06/18
طوال مدة كأس العالم الحالي، ومع بداية كل أسبوع، ستعمد سلسلة "مكتبة الفوتبول" إلى تقديم كتاب يتناول رياضة ولعبة كرة القدم. هنا، الحلقة الأولى.


قد تكون قراءة كتاب جان-ماري بروم ومارك بيريلمان، "الفوتبول، طاعون عاطفي"، من جديد ملائمة خلال المونديال(*)، إذ تطرح هذه المناسبة الرياضية، وقبلها كرة القدم، من وجهة نظر لا تتعلق بالإحتفال بتاتاً. على العكس، يميل الكتاب في بعض صفحاته إلى أن يغدو مزعجاً، لا سيما عندما يرتكز على نبرة غليظة، سرعان ما تنتج عبارات تتأرجح بين التأنيب والزجر.

فلكي يتحدث عالم الاجتماع بروم، والمعماري بيريلمان، عن الذين يمتون لكرة القدم بصلة، أي المحتلفين بها على إختلافهم، فإنهما لا يتوانيان عن وصفهم بالسذج والمرضى مثلاً، وعلى هذا النحو، يظهران كأنهما يريدان، وعلى عادة بروم تحديداً، استخدام الإستفزاز للحض على واقع اللعبة التي ما عادت "أفيون الشعوب" بل صارت الطاعون الذي يفتك بها. طبعاً، وصفها بهذه الطريقة الطبية يقتبسه المؤلفان من فيلهام رايش، الذي أطلقه على فاشية القرن العشرين في حين دراسته لها.

فكرة القدم، وتماماً، كالفاشية، مثلما حللها وفسرها رايش، هي بمثابة الطاعون العاطفي، الذي، ولكي يتسلل إلى أحدهم، لا يستلزم منه سوى أن يتيح له الوصول إلى جهازه النفسي. بالتالي، يبتلع الطاعون هذا الجهاز، ويجعله مشلولاً، بحيث يهب أصحابه مساحةً-مشهداً يجعلهم بعيدين عنه، فأن "يفكروا في الفوتبول يعني ألا يفكروا سوى في الفوتبول، وفي النتيجة، ألا يفكروا"، بل أن يتحولوا إلى عميان في العدائية والتطاحن.

حُكم قاسٍ، لكن عندما يذهب بروم وبيريلمان إلى الكلام عن "امبراطورية كرة القدم"، يسعيان إلى إبانة مرده، بحيث أن تلك الإمبراطورية تتمدد من النوادي إلى البنوك، وبينهما، شركات المعدات الرياضية وشبكات الإعلام، لتكون ضخمة ومسيطرة للغاية. وأول "ضحايا" هذه الإمبراطورية، وكما يشدد المؤلفان، هم اللاعبون، الذين يجري التعاطي معهم كأنهم عبيد في سوق النخاسة، ليس بسبب بيعهم وشرائهم فقط، بل بسبب تعرضهم للضغوط لكي يستمروا في مزاولة "عروضهم" على حساب صحتهم وأجسادهم، أو بسبب دفعهم الدائم إلى الحفاظ على نزوعهم التنافسي، أيضاً. ثاني "الضحايا" في هذه الإمبراطورية، وبعد اللاعبين، هم المشجعون، الذين، ومن دون أن يدركوا، وبنية طيبة غالباً، يتحمسون للإمبراطورية إياها في وقت تحمسهم للاعبين، وفي وقت تماهيهم معهم لدرجة سرورهم غير المنطقي بكون واحدهم يتقاضى حوالى خمسين مليون يورو شهرياً.

ولإمبراطورية الفوتبول إيديولوجيتها التي تعظ بالتعددية الثقافية، إلا أنها، فعلياً، ليست سوى مدرسة حرب. لذلك، لعبتها هي لعبة "رجعية"، تعيد المجتمعات إلى أوضاع طفولية. من التنافس إلى الحث على العنف الجسدي واللفظي. يجد بروم وبيريلمان أن كرة القدم لا تنظم التخاصم، كما يزعم المدافعون عنها، بل إنها تنتجه، وتفلته عارياً. فلمعرفة معنى كرة القدم، معنى الدائر بين أي فريقين متنافسين، لا بدّ من مشاهدة تضارب المشجعين وتراشقهم بالحجارة أو بالكراسي لإطاحة بعضهم بعضاً. الحرب هي حقيقة اللعبة، وهي ما تحاول قواعد المباريات طردها من ملعبها إلى المدرجات، لكي تتبرأ منها، وتجعلها سمة من سمات المشجعين الذين يسارع كثيرون -ومنهم المؤلفان للمفارقة- إلى نعتهم بالوحوش.

في حال نزع الجانب التوثيقي من كتاب بروم وبيريلمان، والإحتفاظ بتحليله للعبة، من الممكن تخليص هذا التحليل بعبارة "لننتهي من كرة القدم لأنها رأسمالية". وعلى هذا المنوال، يجد المؤلفان أن هناك مجالات أخرى لا تزال غير رأسمالية، وعندما تتحول إلى ذلك، كالفوتبول تحديداً، لا بد من الدعوة إلى الإنتهاء منها، وليس إلى البحث في سبل تحريرها المتنوعة. في هذا السياق، ينطوي الكتاب على ردة فعل لا تؤدي إلى مكان، بل تدور على اللازمة ذاتها، التي تفيد بأن "طاعون كرة القدم من الطبيعة البسيكولوجية نفسها لطاعون الفاشية"، ولتتخلص من "الطاعون"، لا مناص من قتل المصاب به!

 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024