جان دوست: غياب الأدب الكردي عربياً.. مسؤوليتنا

مروان علي

السبت 2014/03/01
 من "مدينة الضباب" إلى "مارتين السعيد" مروراً بـ"ثلاث خطوات ومشنقة" و"رسالة الأمير"... يقف الروائي الكردي السوري جان دوست بقوة بين روائيين كرد ضخوا دماً جديداً في جسد الرواية الكردية التي أنهكتها المباشرة والإيديولوجيا. وأدّت ثقافته العربية الواسعة وإجادته للغة العربية دوراً مهماً في قراءة الأدب العالمي الذي ترك أثراً كبيراً في تجربته الروائية المتميزة، وهو يعشق اللغة العربية ويعتبر نفسه مديناً لها إلى الأبد.ترجم إلى الكردية "أنشودة المطر - مختارات من شعر بدر شاكر السياب" التي صدرت في اسطنبول العام 1996، وقصيدة "مهاباد" للشاعر السوري سليم بركات. وهنا حواره مع "المدن"..

- لماذا بقيت الرواية الكردية غائبة عن القارئ العربي.. وهل هناك بالفعل رواية كردية؟ 
لم تغب الرواية الكردية وحدها عن القارئ العربي. الشعر الكردي والقصة الكردية وكل الأجناس الأدبية الكردية غائبة للأسف عن القارئ العربي. وهذه ليست مسؤولية القارئ، بل الكاتب الكردي. إلا أن آليات عدة تتحكم في حركة الترجمة، لسنا بصددها الآن. وبالعودة إلى سؤالك الذي أراه مجحفاً بحق الرواية الكردية، صحيح أن هناك ضعفاً ما في الإنتاج الروائي الكردي وخاصة الكرمانجي، لكن هذا لا يبرّر طرح سؤال في ما إذا كانت هناك رواية كردية أم لا! ربما تقصد بسؤالك المستوى الذي بلغته الرواية الكردية وهنا أريد أن أطمئنك وأطمئن القرّاء العرب إلى أن الرواية الكردية بخير وتتقدم إلى الأمام بخطوات كبيرة. للأسف ليست هناك حركة ترجمة ممنهجة من الكردية إلى العربية وإلا لما حُرم القرّاء العرب من كنوز أدبية يمثلها روائيون لهم وزنهم في المشهد الثقافي الكردي. 

- كيف ترى المشهد الروائي الكردي؟ 
المشهد الروائي الكردي كلمة فضفاضة. فهذا المشهد، وبسبب تشتّت الكرد وتوزعهم جغرافياً وسياسياً، مشهد مشتت أيضاً. سنتحدث عن المشهد الكردي الكرمانجي وهو يتضمن مجمل النتاج الروائي في سوريا وتركيا وقسم من العراق وإيران. تتنوع المواضيع واللغة وآليات السرد. ففي حين تقدمت الرواية الكردية الكرمانجية في تركيا بسبب رفع القيود عن اللغة الكردية منذ تسعينات القرن الماضي، ما زالت الرواية الكردية في سوريا تتخبّط وغالبية الروائيين الكرد السوريين تعيش في المهجر وتنشر الروايات في تركيا. الرواية الكرمانجية في كردستان العراق، أي المكتوبة باللهجة الكرمانجية البهدينية، هي رواية حبيسة جغرافيتها الضيقة، ولا يمكن أن تتطور بالشكل المطلوب نظراً إلى سطوة اللهجة السورانية وتطوّرها الهائل على حساب البهدينية. الرواية السورانية متطوّرة جداً، وهي المكتوبة باللهجة المنافسة للكرمانجية ولها أعلامها البارزون في كردستان العراق وإيران. 

- كيف تقيم حركة الترجمة من العربية إلى الكردية والعكس، خصوصاً أنك أنجزت عدداً من الترجمات المهمة؟ 
هذه الحركة ضعيفة وتعتمد على المبادرات الفردية، ولو عدّدنا الروايات العربية المترجمة إلى الكردية لما تجاوزت البضع روايات. منها روايات واسيني الأعرج، علاء الأسواني، أحلام مستغانمي، سليم بركات وعلي المقري. كان هناك مشروع لترجمة إحدى روايات التونسي كمال الرياحي، إلا أن عدم الحصول على الدعم أجهض المشروع تقريباً وبقي في إطار الحلم والتمنّي. حركة الترجمة من الكردية إلى العربية ليست أفضل حالاً. كان لنا كما تعلم، مع مشروع "كلمة" للترجمة في أبوظبي، تجربة جميلة وترجمنا عدداً من الروايات إلى العربية، منها "العاجز" لصلاح الدين بولوت ترجمة مروان علي، و"متاهة الجن" ترجمة جان دوست. لكن المشروع لم يستمرّ وما زالت المشاريع المقدمة إلى "كلمة" تنتظر الموافقة. هذه العملية لا يمكن أن يقوم بها أفراد على هواهم. الترجمة فعل جماعي ومشروع معرفي كبير بحاجة إلى تضافر جهود كثيرة وأموال ورغبة حقيقة من الطرفين في تعريف الأنا على الآخر. على المؤسسات الكردية أن ترعى مثل هذه المشاريع بالتعاون مع مؤسسات عربية لها نفس الاهتمام. 

- حصلت أخيراً على "جائزة دمشق للكتاب الشرقي". حدّثنا عن هذه الجائزة  والمختارات التي قدمتها من القصة القصيرة الكردية؟ 
الجائزة أطلقتها مجلة "دمشق" وحصولي عليها كان مفاجأة سارة، فقد رأيت فيها رغبة في تعرّف السوري على مواطنه السوري من غير قوميته. وهي المرة الأولى على حد علمي التي يحصل فيها كاتب كردي، أو بالأحرى كتاب مترجم من الكردية، على جائزة سورية. بالنسبة إلى غياب القصة الكردية في سوريا عن الكتاب، هذا صحيح إلى حد ما. حاولت، في اختيار القصص وترجمتها، أن أكون شاملاً، وحظي كرد تركيا بالنصيب الأكبر من المختارات. وهذا يعود إلى نسبة الكتّاب الكرد هناك. أما كُتّاب القصة القصيرة السورية فهم قلة، ومع ذلك، كان لهم نصيب في المختارات ربما يتناسب مع نسبتهم إلى مجموع الشعب الكردي في العالم. 

غلاف-رواية-مارتن-سعيد-(1).jpg

- "مارتين السعيد" روايتك الجديدة، كتبتها وأنت في ألمانيا، لنقف قليلاً عندها..
"مارتين السعيد" هي آخر رواياتي وتتحدث عن قضية الاغتراب الجغرافي وأوهام البحث عن السعادة. هي قصة مغامر ألماني يسافر، في نهاية القرن السابع عشر، إلى الشرق، بحثاً عن الروحانية والنور والسعادة. يستقر في حلب ويبقى فيها تسعة أعوام تاجراً للورق. يتحدث مارتين عن رحلته تلك عبر دفاتر ثلاثة يعثر عليها طالب لاهوت في نزل صغير ببلدة ألمانية صغيرة، ويقرأها بينما يكون كاتبها مارتين غارقاً في النوم بعد رحلة عودة مضنية جداً. مارتين هنا رمز الإنسان الحائر الذي يضيع سعادته في سبيل البحث عنها. بموازاة قصة البحث عن السعادة تلك، هناك تقريباً رواية جانبية تتحدث عن قضية تجارة الرقيق الأوروبية بين أفريقيا وأميركا في بداية القرن الثامن عشر. روايتي هذه من الروايات المعقدة قليلاً، لكنها مع ذلك حظيت برضا القرّاء الكرد وأعيد طبعها للمرة الثانية خلال ستة أشهر من تاريخ صدورها للمرة الأولى.  

- بدأت شاعراً ومترجماً ثم مضيت إلى الرواية!
صحيح. بدأت مشواري الأدبي شاعراً أكتب بالعربية وهي اللغة التي ما زلت أعشقها. لم تحظ أشعاري العربية سوى بانتشار محدود في حدود العائلة تقريباً. ثم مضيت إلى الكتابة بالكردية. استهوتني الترجمة، والسفر بين اللغات (خصوصاً الكردية والعربية والفارسية) فترجمتُ كتباً مهمة إلى العربية، من الكردية والفارسية. ولعل أهم ما قمت بترجمته إلى العربية هو كتاب "مم وزين"، وهو قصة شعرية تعتبر من أهم ما أنتجته الأقلام الكردية على مرّ العصور. الرواية كانت نهاية المطاف. هنا ألقيت عصا الترحال فقد كانت غواية الرواية كبيرة. فكتبتُ إلى الآن أربع روايات تاريخية بدأتها برواية "مجاباد" التي تُترجم حالياً إلى العربية، مروراً برواية "ثلاث خطوات" و"مشنقة" ثم "ميرنامه" التي ترجمت إلى العربية ونشرت عن مشروع "كلمة" في أبوظبي، وأخيراً "مارتين السعيد". وحالياً أكتب رواية خامسة وأنا متفرغ تقريباً لكتابتها. 
 
بطاقة: 
جان دوست روائي وباحث وشاعر ومترجم كردي. ولد في حلب العام ١٩٦٥ ودرس في جامعتها. ترجم إلى العربية عدداً كبيراً من الكتب منها: "الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافيا كردستان"، أربيل 2001. "مم وزين"، 1995 دمشق و1998 بيروت. "بدائع اللغة"، قاموس كردي عربي، بيروت/ لبنان. "رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم"، أبوظبي 2010. "متاهة الجن"، ترجمة رواية حسن مته عن مشروع "كلمة" في أبوظبي 2013.  "مختارات من القصة الكردية القصيرة" ونال عليها جائزة دمشق للفكر والإبداع (جائزة الكتاب الشرقي 2013.
من رواياته: "مدينة الضباب"، "ثلاث خطوات ومشنقة"، "ميرنامه"، "مارتين السعيد". يقيم حالياً في ألمانيا.
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024