خالد الناصري... اليوم احترقت مكتبتي

المدن - ثقافة

الإثنين 2021/07/19
يوم قررت إطلاق مشروعي الشخصي في النشر، قلت لا بد أن يكون لي مكان في شارع المتنبي في بغداد. اتصلت بصديق عمري كريم، وقلت له: أريد أن أفتح مكتبة في شارع المتنبي ولها بسطة على طريقة مكتبات الشارع نفسه. وجدنا مكاناً وبسطة وبدأنا! كان اسمها أولاً "نون"، ثم "مكتبة منشورات المتوسط".

لم أكن أريد منها أي ربح، فقط مكاناً لعرض كتب الدار في بغداد، ونقطة تسهيل لوصول كتبها إلى القارئ العراقي، لكن بطبيعة الحال كنت أتمنى أن تغطي تكاليفها على الأقل. حتى هذا لم تفعله أبداً! حملتها على كاهلي دائماً، خسارة في إثر خسارة، وعشت معها أياماً طويلة من التعب وحرق الأعصاب، ولسنوات طويلة وأنا أقرر يومياً (تقريباً) أن أغلقها، وفي اليوم الثاني أجدني أحاول تحسين وضع المكتبة. ننفق عليها أكثر، نغير الموظفين، نحاول أن نجد مكاناً أفضل لها. حاولنا كل شيء. 

حين ذهبت للعراق آخر مرة، ورأيتها متعبة وبائسة ولونها العام رمادي على صحراوي على غبار وإهمال، وصلت حينها الى نقطة اليأس الكامل منها، لكني بعد أيام، أشفقت عليها وقررت أن أحاول للمرة الأخيرة.

قلت لكريم هذه المكتبة اللعنة تحتاج إلى ألوان، تحتاج أن تشبه الدار نفسها، وحينها بدأ أحمد عبد القادر العمل معنا، وبدأ الكثير من الأصدقاء بمساعدتنا (المصطفى وباقر ونزار وحسين وغيرهم). بدأنا نرسم ونصمم ونخلع السقف وأخرجنا الكتب وبدأنا نلون المكتبة.

سافرتُ، وواصل كريم وأحمد العمل، وبعد أيام أرسلا لي صورها وهي ملونة، وفيها كتب المتوسط. أذكر تماماً أني بكيت من فرحتي بها حينها.

لم أفهم حتى الآن ما سر تعلقي بتلك المكتبة، لماذا احببتها وحافظت عليها كل تلك السنوات، رغم كل الخسارات والتعب الذي أتاني منها!  حتى أنت يا كريم، كل مرة، حين كنت أقرر إغلاقها، كنت تؤيد قراري وتقول نعم: أفضل شيء أن نغلقها. لكني في داخل صوتك كنت أسمع رفضاً ما.

اليوم احترقت مكتبتي التي في العراق. أشعلت النار بنفسها. 
احترقت مكتبتنا يا كريم، وأهم شيء بالطبع سلامتك، وسلامة أحمد وبهاء، وأي شخص كان يمكن له أن يتواجد هناك.

أما حزنك يا صديقي فأفهمه تماماً. أفهم أني وأنت، لا نحزن الآن على خسارة الكتب والرفوف، بل على ما التهمته النار من أرق ووجع وحزن وفرح وبهجة وصراخ، وفتح الباب وإغلاقه اليومي، ولحظات الملل الطويلة وكل التفاصيل الأخرى.
النار التهمت كل شيء وتركت لنا هذا الرماد مجدداً يا صديقي.

(*) مدونة نشرها الناشر خالد الناصري في صفحته الفايسبوكية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024