على أن جعل الايلاج قوام الجنس قد منعه عن كثرة، وحدده بعلاقة بعينها، هي علاقة ثنائية ومغايرة، يؤلف الرجل، بذاته أو بمحاكاته، مركزها. على هذا النحو، لم يعد ممكناً للجنس أن يبدأ بلا استدعاء لدور الرجل فيه، على أساس انه المولج، فمن دون هذا الاستدعاء، يبقى ناقصاً، أو بالأحرى لا يجري البتة، حتى لو أدى إلى النعظ أو الشبق. فبجعل الجنس ايلاجياً فقط، تغدو كل أحواله، من ملامسة ومفاخذة ومشافرة وخجأ، بلا أي أثر، بل إن وجودها غالباً ما يُنظر إلى مرده على أنه عجز عن الإيلاج، أو تجنب له. فمع أن هذه الأحوال هي من أحوال الجنس، إلا أن الإيلاج يبقى مركزها، فعندما يغيب من بينها، تصير هباء مضروباً بهباء.
لا يدعو باج الى ممارسة الجنس بلا إيلاج. لكنه يشدد على كون الجنس بلا إيلاج جنساً أيضاً. وبعد إبانته مقالب الربط بين الاثنين، يستند إلى عدد من الشهادات التي تدحض الربط نفسه، وتقلبه رأساً على عقب، بحيث أن اصحابها يُبدُون، من ناحية إقلاعهم عن الإيلاج، وتفضيلهم حالاً من أحوال الجنس عليه، ومن ناحية أخرى، يُبدُون الأحكام المسبقة عليهم، أكانت منهم أو من أغيارهم، بسبب ذلك الإقلاع، وعلى رأسها اتهامهم بأنهم ليسوا "طبيعيين"، أو لا يمتون للثقافة الجنسية الشائعة بصلة.
علماً أن باج أفرد قولاً في هذه الثقافة التي تتسم بأنها إيلاجية بامتياز، وبطغيانها على ثقافات جنسية متعددة، لا يشكل عمادها ولوج عضو الذكورة في عضو الأنوثة، أو "ذوق العسيلة" بحسب حديث نبوي عن زوجة رفاعة القرظي. وهذا، لأنها تعلي من شأن اللذة على شأن التسلط، ومن شأن تجريبها على شأن فرضه، باعتباره القياس بين الأجساد في جماع شهوتها، وفي المضي بهذه الشهوات نحو بعضها البعض.
(*) دار نشر صغيرة، أطلقها باج مع رفيقة دربه، الكاتبة والموسيقية كولين بييري، وتصدر كتباً بأسعار زهيدة للغاية، وأحياناً بالمجان عند الطلب، فضلاً عن تنظيمها ورشات عمل حول الكتابة والسيريغرافيا.