حيرة رانيا يوسف..

هشام أصلان

الأربعاء 2019/07/17
1

تُقدم الممثلة المصرية رانيا يوسف ساقًا وتتراجع بالأخرى في اتجاه تصدير اهتمام بقضايا الشأن العام، المرأة خصوصًا، تلك القضية التي باتت شبه وحيدة يُسمح بإبداء الرأي فيها من دون مواجهة اتهامات سياسية صارت جاهزة لمقابلة أية آراء في أي شيء، ولو كان رأيًا سلبيًا في فيلم سينما أو أداء لاعب في مباراة لكرة القدم.

وبصراحة، محيرٌ أمرُ رانيا. أنت من ناحية ترى وجوب دعم إقدامها على الكلام، خصوصًا مع "ندرة" الفنانين أو الفنانات المصريين ممن يتخذون موقفًا تجاه أي شيء، أملاً في أن تخطو امرأة خطوات أوسع في معركة متنوعة الجوانب، فضلًا عن تعرض رانيا نفسها لحالة قهر شهيرة مع أزمة الفستان واستتابتها على الهواء مباشرة. ولكن من ناحية أخرى يستوقفك تراجعها في كل مرة عندما لا تجد موافقة عامة على رأيها أو موقفها. ولا تعرف أنت إن كان هذا التراجع الفوري سببه فوبيا العقاب القاسي أو قطع لقمة العيش، التي أصابت أغلبنا، أم هي عدم أصالة دوافعها للإقدام على خوض المعركة.

2

آخر ما أقدمت عليه رانيا يوسف وتراجعت عنه فورًا، كان إعلان دعمها للقرار، قيد المناقشة، في المملكة العربية السعودية، برفع الولاية عن المرأة بعد سن الـ18.

كتبت هي: "نعم لإسقاط الولاية بعد الـ 18. نعم لحرية المرأة. نعم لنجاح المرأة. نعم لاستقلال المرأة". وطبعًا قوبلت كلماتها بهجوم كبير من الجمهور السعودي الرجالي، لتتراجع فورًا قائلة: "لم أكن أقصد أبدًا التدخل في الشأن السعودي الشقيق. تحمُسي للمرأة بصفة عامة هو ما شجعني لتأييد القرار المطروح. لم أكن أتوقع أو أنوي أبدًا التسبب في إزعاج أي شخص مهما كانت جنسيته. اعتذاري لمن أساء تقديري. كل المحبة".

قبل ذلك بأيام قليلة، ومع اهتمام الرأي العام بحكاية تحرش اللاعب عمرو وردة بعدد من الفتيات، وتراجع اتحاد كرة القدم عن معاقبته في شكل استفز الكثيرين لدرجة قرارهم بعدم تشجيع المنتخب القومي، نشرت رانيا يوسف صورة حديثة لنفسها بالفستان الشهير الذي أثار أزمتها، وكتبت: "سؤال للسادة المحامين: فستاني خدش الحياء العام ودعا للرذيلة وعمل فعل فاضح في الطريق العام وبلاغ 3 صفحات للنائب العام، لكن التحرش لا؟ ليه الكيل بمكيالين؟". غير أن تغييرًا ملحوظًا بدا على الفستان في الصورة الجديدة، حيث لم يُظهر الفستان، هذه المرة، شيئاً من جسدها كما في السابق، لأنه كان مغلفًا ببطانة قماشية من الداخل!

وكانت رانيا، حين استتابها الإعلامي عمرو أديب على الهواء، قالت إنها فوجئت بأن بطانة الفستان رُفعت من دون قصد وأظهرت ما أظهرت، وسألها عمرو أديب، قبل أن يسجل استتابتها: "إيه ده؟ هو الفستان ده له بطانة؟". قالت: "طبعًا. أُمال هالبسه كده؟".

المتر سمير صبري، صاحب البلاغ والمُتسبب في وقوف كتاب وفنانين داخل قاعات المحاكم، قال لعمرو إن رانيا "زي بنته"، وأنه سيتنازل عن بلاغه ضدها للنائب العام طالما اعتذرت وأن "ارتداءها لهذا الفستان كان بدون قصد أو عمد"، قبل أن تتنفس رانيا وتقول: "ميرسي يا أستاذ سمير"، في شكل أثار تعاطفنا جميعًا معها، حيث القهر وكسرة النفس.

وأنت، بينما لا تستطيع مطالبة أحدهم بنضال يدافع عن حرية اختيار لباسه في زمن مجنون، تفهمت ما أصاب رانيا من رعب سجن مُحتمل، أو الجلوس في المنزل دون عمل. مع هذا لم أشعر بالارتياح تجاه رميها البلاء على مُصوّر بعينه، قالت إنه ترك مكانه بين المصورين، وذهب لزاوية تسمح له بتصويرها من الخلف. قالت ذلك رغم أن جميعنا رأى وجه رانيا قبل أن تعطي ظهرها للكاميرات وتتحرك بثقة خارجة من مكان التصوير. كان يمكنها الاكتفاء، في حماية نفسها من البطش، بالاعتذار وقصتها، المفهوم أسباب خلقها، حول مسألة البطانة.

وبينما يشعر الواحد بمرارة انتصارات متصاعدة يحققها محامي الأخلاق وألقه المتوهج بدلالاته على انحطاط أيامنا، أتى إصرار رانيا على العودة إلى ساحة المعركة، ليصحو لديك أملٌ في أن تخوضها كما يخوض الصادقون معاركهم، فتصبح انتصاراتهم انتصاراتك، وهزيمتهم هزيمتك.

3

لم يخرج المجتمع المصري، خاصة نخبته الشابة، من ثورة يناير وتبعاتها، بأفضل من الحفر في الأرض وتقليبها حول مسألة التحرش والعلاقات وقضايا المرأة. ربما لأن اللحظة الراهنة لن ترى لهذا الحفر أفضل النتائج، لكن المؤكد أنه يزيل تدريجيًا طبقات من الجلد الميت فوق جرح امتلأ بالصديد. ستستفيد منه أجيال مقبلة، وإن انسحل أبناء هذه اللحظة في معارك بعضها حقيقي وبعضها مفتعل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024