يوم غزت فاتن حمامة لبنان

محمود الزيباوي

السبت 2018/05/12
عادت فاتن حمامة إلى واجهة الإعلام المصري مع انعقاد الدورة الرابعة من المهرجان السينمائي الذي يحمل اسمها في القاهرة، مواكباً يوم ميلادها. قبل ان تحمل لقب "سيدة الشاشة العربية"، عرفت هذه النجمة الاستثنائية في النصف الأول من الخمسينات نجاحاً ساحقاً تخطى حدود موطنها، وكانت لها خلال هذه الحقبة إطلالات لبنانية عديدة فاستُقبلت بحفاوة قلّ نظيرها.

تحت عنوان "فاتن حمامة تغزو لبنان"، تحدثت مجلة "الفن" المصرية في أيار/مايو 1953 عن الحفاوة التي استقبلت بها النجمة عند مجيئها إلى بيروت للمشاركة في إطلاق فيلمها "بعد الوداع"، وقالت بأن الصحافة المحلية كلها احتفت بها، تماما كما احتفى بها الشعب اللبناني بأسره، ونقلت عن فاتن قولها: "كنت أحسّ بأنني ملكة. قضيت أياماً من أسعد أيام العمر. وكنت أرجو أن تطول. لكني تركت دوراً لم أتمّم تمثيله بعد، وتركت زوجي عز الدين في المستشفى، وفرحة القلب وبهجة النفس لا تتّفقان مع انشغال الفكر والبال. وجدت في لبنان تقديراً لا يوصف، واهتماماً لا حدّ له، وشعباً عظيماً في شعوره نحو الفن والفنانين".

بحسب ما نقلت مجلة "الفن"، وصلت فاتن إلى بيروت بعدما أرسلت إلى منتج الفيلم ادمون نحاس، برقية، ترجوه فيها بأن لا يُعلم أحداً بقدومها "لأنها تودّ أن تدخل المدينة بهدوء، ومن دون ضجة أو شوشرة أو شيء من هذا القبيل. لكن عشرات المعجبين بها بلغهم نبأ وصولها فإذا بساحة المطار الدولي في بيروت تشهد ازدحاماً لم يسبق لها ان شهدته إلا مرة واحدة، أي يوم استقبال سمو ولي عهد المملكة السعودية في لبنان، وإذ بنحو الألف شخص يتزاحمون للاقتراب منها عند نزولها من الطائرة، ومئة باقة ورد تُقدّم إليها من مختلف الهيئات والشركات، وأكثر من خمسين مصوراً ومندوباً صحافياً يتبارون في التقاط صور استقبالها".

فور وصولها، توجّهت النجمة المحبوبة، برفقة ادمون نحاس، مباشرة إلى قصر رئاسة الجمهورية، حيث استقبلها الوزير السابق مجيد أرسلان ومدير الأمن العام الأمير فريد شهاب، ثم قصدت الفندق، وأمضت وقتها في الرد على تحيات المرحبين بها. كما هو مقرر، حضرت فاتن افتتاح عروض فيلمها "بعد الوداع"، والذي حضره أيضاً رئيس الوزراء الأمير خالد شهاب الذي حرص على المجيء "بالرغم من كثرة مشاغله السياسية ليقوم بواجب الترحيب بضيفة لبنان وفاتنة جمهوره المفضلة". بعد ليلة العرض، منح رئيس الوزراء النجمة المصرية وسام الاستحقاق "تقديراً من الحكومة لمواهبها التمثيلية ومزاياها الخلقية، واعترافاً بما يكنّه اللبنانيون لها من حب وتقدير واحترام". وفور تعليق الوسام، زارت فاتن دار السفارة المصرية في بيروت حيث تقبلت تهاني مواطنيها من أعضاء السفارة المصرية، واستقبلها هناك السفير وجيه رستم، وقال لها: "إنك سفيرة مثالية لمصر في الأقطار العربية، سفيرة روحية يحبها الناس أكثر مما يحبون السفراء السياسيين"، فضحكت ووعدته بأن تنقل التحيات والسلامات العديدة إلى شقيقه الممثل الشهير زكي رستم.

في بيروت، أجرت الصحافية سامية بيضون حديثاً مع فاتن، وسألتها: "كيف وجدت لبنان وشعبه؟"، فأجابت: "ان لبنان جميل خالص، والحق يُقال انه بلد جنان، واللي أجمل منه شعبه الظريف". تابعت الممثلة القديرة الحديث، وقالت إن زوجها المخرج عز الدين ذو الفقار لم يرافقها في هذه الرحلة "لأنه في المستشفى، يجري عملية استئصال اللوزتين"، كما قالت بأنها تتابع الصحافة اللبنانية في القاهرة، الا أنها فوجئت "بكثرة الصحافيين والصحف" في بيروت، وأضافت في الختام: "اشكركم جدا، واشكر أيضا دولة رئيس الوزراء الرجل الطيب الذي يقدّر الفن والفنانين، ولن أنسى مطلقاً ما قوبلت به عندكم من حفاوة بالغة جعلتني أحس بأنني هنا مع أصدقائي واخواني وزملائي، رغم انني أعرفهم لأول مرة".

حضرت فاتن حمامة إلى لبنان للمرة الأولى في ربيع 1953، ولما سألتها سامية بيضون: "هل تنوين زيارة لبنان مرة ثانية؟"، ردّت تلقائياً: "ودي عاوزة كلام؟". في مطلع العام التالي، سافرت فاتن إلى بيروت للمرة الثانية، ونشرت الصحافة صوراً لها وهي تردّ على تصفيق الجماهير لها في سينما المتروبول، كما نشرت صوراً لها في حفلة الغذاء التي أقيمت على شرفها في مقهى "الغلاييني" المطل على صخرة الروشة. في صيف ذلك العام، حطّت فاتن للمرة الثالثة في مطار بيروت برفقة ابنتها نادية ذو الفقار، وتسلّمت الكأس التي فاز بها فيلمها "موعد مع الحب" في مسابقة "أحسن فيلم في الموسم" التي نظمتها الصحافة اللبنانية، ومع هذا الفيلم، حملت لقب "سيدة الشاشة العربية" الذي لازمها حتى وفاتها.

قبل بضعة أشهر من جولتها الثالثة في لبنان، لعبت فاتن الدور الأول في فيلم من اخراج يوسف شاهين، بعنوان "صراع في الوادي"، وشاركها البطولة في هذا الفيلم وجه جديد اكتشفه المخرج وأطلق عليه اسم "عمر الشريف"، وهو ميشال شلهوب. بعد إطلاق هذا الفيلم، انفصلت فاتن عن عز الدين ذو الفقار، وتزوجت في شباط 1955 من عمر الشريف، وانشغلت الصحافة بهذا الحدث لفترة طويلة. تابعت فاتن مسيرتها في النصف الثاني من الخمسينات، وتألقت في السنوات التالية، وبلغت الذروة في فيلم "الحرام"، ثم غادرت في العام 1966 إلى أوروبا هرباً من ضغوط سياسية كما تقول الرواية الشائعة، ونجح فريد الأطرش في إقناعها بالمجيء إلى لبنان لتلعب معه دور البطولة في فيلم "الحب الكبير" العام 1968. هكذا عادت فاتن إلى الشاشة في فيلم صُوّر بأكمله في بيروت، واستُقبلت عند وصولها إلى لبنان، استقبال الفاتحين، كما جرت العادة منذ 1953.

بعد ثلاث سنوات، عادت سيدة الشاشة إلى موطنها في العام 1971 إثر رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وتألّقت في "الخيط الرفيع" الذي شكّل انطلاقة جديدة لها. وفي 1973، حلّت من جديد في بيروت لتلعب دور البطولة في فيلم "حبيبتي" الذي صُوّر كذلك بأكمله في لبنان. على وقع الموسيقى الرومانسية الجميلة التي وضعها الياس رحباني، جالت النجمة المصرية الكبيرة في هذا الفيلم بين حديقة الصنائع وشارع الحمرا، وباتت وجهاً من وجوه بيروت في زمنها الجميل.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024