الرواية انعتاق الفرد من الجماعة(*)

جنى فواز الحسن

الثلاثاء 2018/12/18
(*) طفرة الرواية في العالم العربي قد تكون لها أسباب عديدة. ولا أعرف إن كانت إيجابية أم سلبية. هناك رغبة في التعبير طبعاً لدى العرب من مختلف الجنسيات لأنّ هذا ليس مباحاً لهم بشكل كافٍ، وهناك الكثير من البؤس في الدول العربية، لهذا يتّجه البعض إلى الكتابة. بهذا المعنى، هذه الطفرة ليست سلبية ولا تسيء للأدب لأنّ ما سيبقى من كل ما يُنشر هو ما يستحق البقاء. الزمن كفيل بأن يكون الحكم الأكبر. لكن في الوقت نفسه، يجب ألّا يكون هناك استسهال للكتابة. الكتابة التي لا تقترن بالشك، شك الكاتب نفسه بعمله، ومحاولته لأن يكتب ما هو قيّم وليس فقط ليكون له إنتاج أدبي، لا تستحق أحياناً أن تُنشر.

الجوائز ساهمت فعلاً في ترويج الرواية، خصوصاً أن الكتّاب عادةً لا يحظون بالتقدير ولا يجدون الدعم الكافي. عندما تصبح الجوائز هدفاً، تصبح هذه هي المشكلة. الرواية لم تعد تنتج بطلاً أسطورياً لأنها باتت أقرب إلى الواقع ولأنها انعكاس لما يعيشه الناس والمجتمع. لم يعد هناك أبطال في مجمل الميادين ولا حتى قيادة حقيقية لكي ينقاد الفرد وراء الجماعة. الكتابة الآن، كتابة الرواية تحديداً، تمثل انعتاق الفرد من الجماعة، ورغبته بأن يرسم صورة حقيقية لما تنطوي عليه الحياة من انكسارات. هذا التركيز على الإنسان الفرد، بكلفة تحدياته واضطراباته، الإنسان العادي الذي تثقله أعباء الحياة، هو الصوت الذي تمنحه الرواية لهذه الأشياء العادية. نحن نأتي من مجتمعات عشائرية وأبوية، فيها مفاهيم مبالغ فيها عن الشرف والاحترام، وفيها مثالية زائفة، لطالما جرّدت الإنسان من أن تكون له هوية فردية. ومع كل ما يحدث مؤخراً، سقطت الكثير من هذه الشعارات وظهرت هشاشة هذه المجتمعات، ومعها خرج إلى العلن وهم الأساطير.

الاندفاع إلى الرواية المترجمة هو البحث عما لم تستطع الرواية العربية أن تقوله بعد. تجربة الرواية في الدول الغربية أنضج من تجربة الرواية في الدول العربية. وبـ"أنضج"، أقصد أن أقول أكبر سناً وتجربة. وربما لهذا السبب، يبحث القارئ عمّا يفتقده في الرواية العربية. هناك الكثير من الإنشاء في الرواية العربية وحاجة إلى تطوير الكثير من الأمور وإلى مساحة أكبر من الحرية في الكتابة. ومن هنا أستطيع القول إن الرواية العربية ستذهب إلى مكان أفضل في المستقبل. عندما تتطور مجتمعاتنا، وتصبح المكتبة بأهمية المكتبات في الدول الغربية، وتتطور المناهج الدراسية، ستتطور الفنون كلها ومعها الأدب. لا أدري إن كان ذلك سيحدث في الزمن القريب، لكن يمكننا أن نأمل في ذلك.

(*)  مساهمة الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن ضمن ملف "الرواية العربية.. إلى أين؟"
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024