الفيلسوف الذي يكره الرياضة

روجيه عوطة

الإثنين 2018/06/11

كان فابيان أولييه (فرنسا، 1973) لا يزال يمارس رياضة الجودو عندما وقع ذات مرة على كتاب "السوسيولوجيا السياسية للرياضة" لجان ماري بروم، ولما انتهى من قراءته، انقلب عيشه رأساً على عقب. ترك صفوف الجودو، واتجه نحو الماركسية، ولاحقاً، قرر أن يتخصص في الفلسفة، مكرساً إياها لشيء محدد، وهو نقد الرياضة.

ولكن، قراره هذا لم يكن معدوم الجماعة، بل إنه وجدها بين الفلاسفة وعلماء الاجتماع، الذين أسسوا لما يشبه تيارا أطلقوا عليه اسم "النظرية الناقدة للرياضة"، وفي مقدمتهم، بروم إياه، ومارك بيريلمان، وروبير ريديكه، ولوي-فانسان توما. انتسب أولييه بكتابته لهذا التيار، ونتيجة ذلك، أكد على ركائزه، وهي أن الرياضة وسيلة قمع، وأن قطاعه هو مجال لنمو الرأسمالية، وأنها مصنع لأدلجة الأجساد، ونمذجتها.

على هذا النحو، أصدر أولييه كتابه الأول، الذي حمل عنوان "الوهم الرياضي: سوسيولوجيا الإيديولوجيا الشمولية" (1998)، مشدداً فيه على كون الرياضة هي ملعب النيوليبرالية، التي لم تسيطر عليها، بل إنها اقترنت بها لأنها، وبقوامها، تتلاءم مع قانونها. ففي الرياضة، ثمة تقريظ للتنافس، وثمة حض على تجاوز الحدود الجسمانية، وثمة تخدر، وثمة ادعاء للحرية، وثمة تستر على الإغتراب في الحياة اليومية، وثمة إعدام للسياسة واكتفاء بالتعصب النرجسي، وثمة تعلق بالقوة وإستهانة بالضعف، وثمة قضاء على الهواية باسم الإحتراف، وثمة رغبة في سحق الغير، وثمة إنكار لهذه الرغبة بأفعال "الروح الرياضية"، وثمة ذكورية طافحة، وثمة تسليع فظيع للرياضيين، وثمة تراتبية قاسية بينهم، وثمة إنتاج للعنف بين المشجعين أي في المجتمعات.

واصل أولييه نقد الرياضة، إلا أنه ركز هذا النقد على الفوتبول في كتابه "تزمت كرة القدم" (2002)، محللاً فيه، وبالتعاون مع هنري فوغران، مونديال العام 2002، بحيث قدمه كإحتفالية لتكريس المجاعة السياسية والإقتصادية في العالم، كاشفاً عن أعمال الـ"فيفا" المتوحشة. والأخيرة، عاد وتوقف عندها بالتفصيل في كتابه "الهوس الكروي: نقد لظاهرة شمولية" (2007)، متكلماً عن كواليسها التي لا تظهر من المدرجات، أو من خلف الشاشات. على أن أولييه، وبالتوازي مع تعليقه على الراهن الرياضي، يؤرخ، وربما، هذا أكثر انشغالاً من انشغالاته متانة، للعلاقة بين الأنظمة والرياضة. هذا ما بين في كتابيه، "مرض الـPCF الطفولي" (2003) و"أساطير رياضية وقمع جنسي" (2004) عن الإرث السوفياتي للحزب الشيوعي الفرنسي وعلاقته بالرياضة، التي إما يجعلها أداة لقتل الحاجة الجنسية، أو وسيلة لتعزيز الإنتاج.

لا يمكن لمحب أي نوع من أنواع الرياضة أن يستسيغ نقد أولييه، الذي، وفي الكثير من الأحيان، يبدو كناية عن كره، أو بمثابة شطط، لا سيما حين ينظر إلى الرياضة باعتبارها اعتقالا للحركة، التي، وقبلها، كانت حرة أكثر. فعدا عن غياب تمييزه الواضح بين الرياضة ومأسستها، أو الرياضة ومشهدها العالمي الضخم، وعدا عن جعله الرياضة مجرد مسلك ليكون مزاولها "الأفضل"، يميل أولييه إلى الإرتكاز على  تلك الثنائية البالية بين الجسد والفكر، معتقداً أن تريض الأول يؤدي إلى تعطيل الثاني، معترضاً على أن الناس يركبون الدراجات ولا يقرأون مثلاً.

يواصل أولييه اليوم نقده للرياضة عبر مجلته "أي رياضة؟"، التي حملت في عددها الأخير عنوان "الكرة الشاملة: سلاح الإلهاء الجماهيري"، وقد تضمن في إفتتاحيته دعوة إلى مقاطعة المونديال المقبل من أجل مقاطعة الدكتاتورية البوتينية، التي تستخدم إحتفالية كرة القدم للحشد حول سياستها: "بالنسبة إلينا، هدف بوتين صريح: حرب المدرجات تصور مقدماً مدرج الحروب المقبلة. كمحور للتكتل العاطفي، ولتوحيد الأفراد في تجمعات متنافسة، لقد خدمت لعبة الفوتبول دائماً الإستبدادات الإمبريالية. بهذا المعنى، ألا يمكن الإعتقاد بأن هذه اللعبة ظاهرة شمولية؟".

 

 

 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024