"حلاج" نينا عبد الملك

محمد حجيري

الثلاثاء 2018/02/13
ما الذي يجعل احدى خريجات ستار أكاديمي (نينا عبد الملك) تختار قصيدة "إذا هجرت" للشاعر العباسي الصوفي أبو عبدالله الحسين بن منصور، المعروف بـ"الحلاج"، وتقدمها بطريقة حداثية بصرية على أيقاع موسيقى البوب؟ وما الذي يدفعها إلى تقديم كلمات قصيدة كلاسيكية في كليب راقص وجسدي وتخيلي؟ وهل ثمة ضرورة للعودة الى قصائد الحلاج؟ وهل يمكن الجمع بين أغنية "ساكن" لديانا حداد مع قصائد الحلاج؟(*)
بررت نينا عبد الملك تقديم كلمات الحلاج بأنها تقدم أغنيات الطفولة بإحساسها الخاص الذي اعتاد عليه الناس و"رغبت في نقل هذه الثقافة (تقصد كلمات الحلاج) إلى جيل اليوم الذي لا يعرفها وأرفقتها بموسيقى حديثة يحبها، فكان خليطاً من الأصالة والحداثة معاً"، وقالت إنها "أغنيات الطفولة بصوت عصري". والسؤال هنا هل وصلت كلمات الأغنية إلى جيل اليوم، أم أنها كانت مجرد كلمات للتجريب والبحث عن التمايز؟ من المفيد العودة الى القصائد الكلاسيكية وتقديمها في زمن تشهد الأغاني العربية ازدهاراً في الأصوات وترهلاً في الكلمات والألحان. والقضية ليس في أن نختار قصيدة كلاسيكية بل في طريقة تقديمها. ما فعلته نينا أنها قدمت القصيدة من حيث ترى وتعيش وليس من منطلق القاعدة المتبعة والسائدة، هي أقرب إلى محاورة بين الكلمة العميقة (الحلاجية) الآتية من الزمن العباسي مع أدوات الثقافة البصرية، والمحاورة ليست لصالح الكلمة التي لها خصوصيتها. وان كانت نينا أخذت القصيدة إلى سياق آخر ومختلف، أو "خلقت قراءة جديدة للقصيدة" بتعبير أحد القراء، الذي يضيف "صرت أرى في القصيدة ابتذالاً وسذاجة محببين ومعاصرين".

من المبكر الحكم على أغنية نينا، لمعرفة ردود أفعال الجمهور من خلال الحفلات وليس الكليب، وليس جديداً أن نسمع الكلمات الصوفية بطريقة غريبة، فسبق لنجمة البوب الأميركية مادونا أن غنت من كلمات "مولانا" جلال الدين الرومي قصيدة "تعلم كيف تقول وداعاً"، وهناك كثيرون من نجوم الغناء في الغرب تبنوا كلمات "مولانا". والسؤال الآخر هل يدخل الحلاج الى دائرة الاستهلاك كما حصل مع الرومي الذي نجد أقواله على القمصان والفناجين وفي الروايات والأفلام، بالطبع الحلاج ليس مغموراً، وله حضوره البارز كرمز ثقافي، سواء في قصائد شعراء الحداثة أو المسرحيات وحتى الغناء، فالكثير من قصائده سمعناها بصوت كاظم الساهر وريم بنا ومارسيل خليفة وظافر يوسف وعابد عازرية.

وليست المرة الأولى التي تقدم قصيدة "إذا هجرت" كأغنية، فجاهدة وهبة غنتها بطريقة كلاسيكة صوفية صارمة، حظيت باهتمام لدى البعض وبلاقبول لدى البعض الآخر، استعملت جاهدة قدراتها الصوتية إلى درجة غابت القصيدة في الصوت، ولم يصل المعنى. بالطبع هناك فرق شاسع بين آداء جاهدة وآداء نينا التي صورة الأغنية ككليب، وبالغت في الاستعراض الجسدي، الحركات البصرية والايقاع الموسيقى الغربي، وهذا كله كانت ثمرته تهميش الكلمة وتغليب العين على الأذن... ولا أحسب ان المخرج فادي حداد يعرف الحلاج وعشقه الإلهي، ولا أظنه معنيّا بأن الحلاج حوكم في بغداد وصلب وقطعت أطرافه وأحرق جثمانه وذر رماده في نهر دجلة عام 922 م، بعد أن اتهم بالزندقة ونسب الى انحلال العقيدة لقولته "انا الحق" وغيرها... أحسب أن حداد يقدم الفنانة بطريقة "هوليوودية"، يريدها صورة تلفت الانتباه "يعكس صورتها الطبيعية على مواقع التواصل، وشخصيّتها" بحسب ما قالت هي نفسها، وغير معني باستباط فكرة الكليب من الكلمات أو القصيدة الحلاجية، فهو يقدم نينا مع مجموعة من الفتيات، بالجينز الممزق ونائمة تتلوى بجسدها على سطح سيارتها التي تعبّر نهر بيروت القذر والمجرو وقد كتب عليها they go exist. رأينا صورة جديدة في الفيديو كليب حول مخلوقات فضائية حيث تقول إنها موجودة، ونينا مرات ترقص وتزم بشفتيها أو تمشي وأمامها النوارس التي تجتمع على النفايات... ما الهدف من تصوير نهر بيروت القذر مع أغنية صوفية، ما علاقة المخلوقات الفضائية بأغنية حلاجية.

معظم الانتقادات التي تطرقت الى الكليب أشارت إلى أن لا علاقة له بالأغنية، بل ثمة من اعتبر أن اللحن والكليب شوها معاني الكلمات.
 (*) من ألبومها "اذا" ويتضمن الى جانب أغنية "اذا هاجرت" أغنيات «ساكن» (كلمات عادل رفول وألحان جورج مارديروسيان ــ توزيع جديد بيكيتو) لديانا حدّاد باللهجة البدوية، و«إنسى اللي راح» (كلمات نبيل أبو عبده وألحان جان صليبا ــ توزيع جديد بيكيتو) لفضل شاكر و«خلّيني بالجو» (كلمات نبيل أبو عبده وألحان زياد بطرس ــ توزيع جديد ميشال فاضل) لمايا نصري باللهجة اللبنانية، و«يا شمس غيبي» (كلمات سامح العجمي وألحان مصطفى قمر ــ توزيع جديد عمر صباغ) لأميرة باللهجة المصرية، و«ليلي طويل» (كلمات محمد الزياتي الإدريسي وألحان يونس مكري ــ توزيع جديد عمر صباغ).
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024