حرب الكبتاغون

محمد حجيري

الأربعاء 2021/04/28
خلال تجولاتي وتنقلاتي القليلة في بعض المناطق والدساكر اللبنانية، أحياناً أسمع أطراف حديث، من الشبان واليافعين تحديداً، يتهامسون عن مادة الكبتاغون وأخواتها (القنب الهندي، الكوكايين، الهرويين، السيمو والترامال)، يحضر الحديث خافتاً وأحياناً بالصوت العالي، عن هذه المواد الفتاكة والمدمرة بحكم قوة انتشارها أو تداولها بين الأجيال الجديدة، كأنها "بنادول للصداع" وليست حبوباً مخدرة، فمرة يكون الحديث عنها نوعاً من "التنمّر" المقنّع على المتعاطين والمدمنين، ومرات يصبح شفقة وعتباً...

والحديث يتفرع في جوانب عديدة، الجانب الأبرز حول الرؤوس المدبرة لتجارة الكبتاغون وتهريبها إلى بلاد الخليج وأوروبا "والحرتقة بها"(أي العمل بها) كما تقول النكتة، ويكون السؤال من هم "أمراء" تجارة الكابتغون؟ ومن أين يأتون؟ وأين مصانعهم؟ ومن يحميهم؟ واين يسكنون؟ ومن يستفيد منهم؟ ولماذا لا تطاردهم الدولة وتوقفهم طالما أنها تعرف أماكن وجودهم؟! وكيف يقدمون الرشاوى إلى هذا وذاك... يكون الحديث جزءاً من لفت انتباه، إلى سرعة ثراء هؤلاء المهربين والتجار، وطرق بذخهم وإفراطهم في المال واستعراضهم، وكيف انتقلوا من الحضيض إلى حديثي النعمة، من الحصيرة إلى النوم على الحرير، من ركوب الحمير إلى مواكب السيارات رباعية الدفع، من الخِيم إلى القصور، من التشرّد إلى امتلاك الأراضي والشاسعة والشقق في الأماكن الصعبة. جزء كبير من هؤلاء، وبفعل تكديس العملات الصعبة، والسيارات رباعية الدفع - أميركية الصنع، يتصرفون على اعتبار انهم وجهاء و"شيوخ صلحة" في مجتمعاتهم ومحيطهم، بعضهم بفعل أموال الكبتاغون يحصل على الجنسية اللبنانية بمراسيم خاصة، وينشر صوره مع نواب وسياسيين وفي مكاتب حزبية تريد تحرير القدس. أمراء الكبتاغون هم شبيحة يستولون على أملاك أبناء قراهم، أو يستغلون نفوذهم في مختلف المجالات...

الجانب الثاني من همسات الشبان يتمحور حول طرق تهريب الكبتاغون، وهي متعددة وغريبة وبوليسية... نعرف جانباً منها من خلال الأخبار ووسائل الاعلام، لكن يبقى حولها الكثير من الألغاز، وفي طياتها الكثير من الفضائح السلطوية والحزبية والمجتمعية... وثمة من يقول إن بعض المهربين، عدا عن نشرهم هذه الآفة في المجتمع اللبناني، يبتكرون طرقهم لتهريبها وتوزيعها في أوروبا والخليج ومصر، سواء في الشاحنات الثقيلة أو بين الخضار أو الأثاث المنزلي أو أي شيء، وصولاً إلى الرشاوى، وحتى في موسم الحج إلى مكة يستغلون اللحظة لتمرير ما لديهم... الاندفاع إلى الكبتاغون يبدو طاغياً على القنب الهندي والكوكايين، وهو مادة مصنّعة وليست زراعية، لا يلزمها العمال ولا المياه والأمطار... وطرق تصنيعها سهلة وكلفتها محدودة، وطرق تهريبها أسهل، باعتبار أن طرق كشفها ليست سهلة كالحشيشة...

والجانب الثالث في الحالة الكبتاغونية... أن امراء الكبتاغون لا يهربون ملايين الحبوب إلى دول الخليج وأوروبا، ومن إيطاليا إلى اليونان فحسب، بل انهم يدمرون المجتمع اللبناني نفسه. توزع الحبوب على المراهقين والشبان في الأحياء الشعبية والجامعات والمدارس. هؤلاء يتحولون شللاً ومجموعات تبحث عن تيهها وهذيانها، ولا يفكرون في شيء إلا الهلوسة. وقيل أن الحبوب كانت جزءاً من حياة المقاتلين اللبنانيين في الحرب السورية، كانت جزءاً من اندفاع الشبان نحو الموت والقتل، وسمعنا حينها أنهم يطلقون على الحبوب تسميات تخصهم، تسميات جزء منها نكتة، لكنها في جانب منها أقرب إلى كلمة سر...

هكذا الكبتاغون، جزء من الحرب الإقليمية، وأداة من أدوات تدمير المجتمع... قيل مراراً إنه في حفلات زفاف ريفية، حيث تحضر العائلات والشبان والعجائز والأقارب الأحباب، توضع حبوب الكبتاغون في القهوة العربية المملوءة في مصب نحاسي كبير على الجمر. هذا الفعل الشنيع، يجعل معظم الحضور في عالم آخر، تلك الحبوب تأخذهم إلى حيث لا يريدون...

والكبتاغون واحد من أنواع مخدرات كثيرة باتت تفتك بالشبان اللبنانيين في مختلف المناطق، الى درجة أن احد الصيادلة سخر من الواقع السائد، إذ لاحظ أن غالبية مبيعاته باتت أدوية تتضمن مخدرات أو مورفين...

كان كارل فون كلاوزفيتز، يقول بأن "الحرب هي ممارسة السياسة بوسائل أخرى"، والكبتاغون اللبناني والسوري جزء من حرب تطحننا جميعاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024