الصراع على معنى الحور العين:نساء الجنة ام ثمار العنب

محمد حجيري

الأحد 2020/09/20
يلمح الباحث السوري عزيز العظمة في كتابه "ازمنة التاريخ*"(المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) وتحديدا في فصل "بلاغيات الخطاب الحسي: دراسة في السرديات الفردوسية الإسلامية"، إلى أنه في الاسلام ثمة نوع من عدم التشجيع للاشكال الصارمة والطويلة الأمد من الزهد ونكران الذات ورغباتها الجسدية من قبيل ما اعتاده المتصوفة من شعائرهم وخلواتهم التعبيدية". وتكاد السمة المميزة للتقاليد المسيحية في رفض اللذة والانهاء عنها بشكل عام، تكون غائبة في الاسلام، لقد كانت حياة الرهبنة والاشكل الجسدية المختلفة للتضحية بالنفس محط انتقاد عند المؤلفين المسلمين الذين نظروا الى انها مسألة مخالفة للطبيعة. وشجع بعض السلاطين والخلفاء رجال الدين على تدوين كتب جنسية (باهية) فاحشة، سواء كتاب "رجوع الشيخ الى صباه" لابن كمال باشا، أو كتاب "الروض العاطر" للشيخ النفزاوي، وكتب أخرى للسيوطي، وكلها كتب تشجع على النكاح وتدلّ على محفزاته وأطره، سواء الطبية أو الجسدية...


"ومهما كانت المتع الحسيّة حاضرة في الحياة الدنيا، لكنها تبقى نقطة في بحر الفردوس" يقول العظمة. فالنصوص التقوائية للغزالي وابن قيم الجوزية مثلاً كررت بشكل ثابت أنه مهما بلغت اللذة الجنسية في هذا العالم والتي تكون ضمن الحدود الشرعية، فإنها تبقى مجرد فكرة مسبقة وهزيلة على ما ستكون في الجنة، و"اللذة الجنسية الارضية ذات بعدين من الاستمتاع: الاحساس الفعلي باشباع الرغبة، والمتعة الحاصلة من تخيل اللذة الموعودة التي لا تكون المتعة الارضية أمامها سوى فعل اسبتاقي بسيط".

والكتابات الاسلامية كانت عموماً خالية من النهي عن الممارسة الجنسية الى أن جاء الوقت الذي واجه فيه المسلمون "التأثير الطهراني الاوروبي في القرن التاسع عشر والذي لجأ المسلمون إلى تراثه الاخلاقي والمناقبي في جدالهم مع الاتهامات التي وجهت إلى الاباحية والشهوانية المفترضين في الاسلام"(عزيز العظمة)، مع التذكير بأن التأثير الاوروبي بما هو ثقافة، كان من خلال رحلات مستشرقيه، يصنع صورة الشرق المستهام والجنسي، سواء في التركيز على نصوص "الف ليلة وليلة" أو مناخات الحمامات التركية أو سير الجواري والقصص الخليعة والماجنة، أو حتى الرسوم الاستشراقية وصولا إلى تصوير النساء العاريات في الاستديوهات.

بمعنى آخر، كان تكريس التأثير الاوروبي الاخلاقي (المسيحي) في تشذيب اللغة العربية، من خلال "طرد" التعابير الماجنة و"السوقية" منها، وهي كانت مستعملة بقوة وبحرية في النصوص التراثية والشعرية (من ابي نواس إلى ابن حكيمة)، بينما عاش الغرب الشغف في الحديث عن الشرق الجنسي والمستهام، وكتابة القصص والروايات عنها واستلهام الافلام منها، وصولاً الى افتعال الصور الى درجة التشوية والتنميط... في وقت دخل العالم العربي والاسلامي في اتون رقابة صارمة وداعشية...


وبقي الفردوس الأرضي والفردوس الموعود (الحور العين)، موضع جدل سواء في النصوص الفقهية أو بسبب الانتحاريين ووصاياهم. ولم تستطع بعض الكتابات العربية والاسلامية الحد من الجموح الشهواني أو التقليل من المبالغة في توصيفه وتفسيره، وهذا ما تظهر المحاولات الفاشلة الأخيرة التي قام بها الازهر لمنع انتشار كتاب وضعه مفكر اسلام مصري هو محمد جلال كشك، بسبب اضاءة هذا الاخيرة على الثنائية الجنسية الموعودة في الجنة. كما تشكل ايضا المحاولة السابقة لمحمد رشيد رضا لتأويل وجود الحور العين في الفردوس على أنهن زوجات الرجل على الارض ليس الا"، وهذه المسألة بحسب العظمة، تخالف التقاليد الاسلامية وروحيتها. والحور العين بتفسير رشيد رضا، هن "نساء الجنة، وما من امرأة تدخل الجنة إلا ويكون لها فيها زوج، فالتمتع بلذة الزوجية مشترك، إذ لا زوجية إلا بين ذكر وأنثى". معظم التفاسير أو الفتاوى حول الحور العين "مجرد ظنون واجتهادات ذكورية، تبرر وتعلل وتقرّ ما جاء في القرآن الكريم"  كما يقول أحد الفسابكة. ولا ينتهي الجدل العقيم عند هذا الحد، فإذا كان التفسير الإسلامي لعبارة الحور العين يستند إلى اللغة العربية التي تفسر كلمة حور بأنها العين التي اشتد بياض بياضها وسواد سوادها واتساع حدقتها ومن هنا فسرت عبارة الحور العين بأنها صفة للنساء اللواتي سيتزوجهن المؤمن بالجنة.


ولكن في الفترة الأخيرة بحسب الكاتب رماز هاني كوسه، طرحت تفسيرات أخرى لعبارة الحور العين تنطلق في تفسير اللفظة استناداً إلى اللغة السريانية التي كانت متداولة في سوريا وما زالت إلى اليوم الحالي ببعض المناطق. وقد طرح هذا التفسير كريستوف لوكسنبرغ (وهو اسم مستعار) في كتابه "قراءة آرامية سريانية للقرآن"، مستندا بتفسيره للكلمة على معناها السرياني والذي يدل على حبات العنب كما يطرح بكتابه. وبالتالي فالآيات القرآنية التي تذكر عبارة الحور العين بحسب لوكسنبرغ لا تشير إلى لذة أو نوع من المتع الجنسية في الجنة بقدر ما تشير إلى متعة مادية وهي تناول الفواكه والطعام اللذيذ.

فقد حاجج لوكسنبرغ أن اللفظ القرآني "حور" يجب ان يُرى لا على أنه إشارة إلى عذراوات الجنّة، بل في ضوء لفظ "حور" الآرامي بمعنى "بيض"، صفة الأعناب، الثمر الأوّل غير المنازع في الجنة السماوية. وهذا التفسير يعيد خلط الاوراق حول أوهام الفردوس الموعود الذي جذب مئات الشبان وذهبوا في عمليات انتحارية، إلى جانب البعض تفكيك أصول القرآن وقصصه، ونسبها إلى حضارات وثقافات سابقة... وهذا الموضوع اخذ الكثير من "اللت والعجن"، وكتبت عنه عشرات المقالات الثقافية و"الطائفية" والاستشراقية، وكأن مصير الأمة ومستقبلها يتعلق بأصول الحور العين وفصولها...

بالطبع هذا الموضوع، يحتاج الى سرديات طويلة بسبب كمية التفسيرات والتأويلات والهذيانات، وما قلناه مجرد لمحة عابرة عن خرافات لا تنتهي...

 

 

 

 

 

 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024