من "الطائفة الوطنية" إلى "الثنائي الوطني"... احتضار السياسة

محمد حجيري

الجمعة 2020/10/02
تعيش السياسة في لبنان، في دورانها، وفي الاستتباع للأغيار والغرباء مرات ومرات، وفي تكرار السرديات التاريخية مرات ومرات وإن بأصباغ جديدة... والحال أنه في زمانه، كان بعض "اليسار اللبناني"(دام مجده الغابر) أو "اليسار الدولي" بحسب التسمية الكتائبية، يبتكر تسميات أو مصطلحات للجماعات في اطار الصراع أو النزاع السياسي والاحترابي والايديولوجي والاستحواذي والجماهيري، فيطلق على بعض الشخصيات السياسية والدينية لقب "الماروني الأحمر"(الوزير ميشال ادة) أو "الشيخ الأحمر"(عبدالله العلايلي) أو "البيك الأحمر"(سمير فرنجية) و"الخوري الأحمر"(الأب طانيوس منعم). ويغوض أكثر، فيسمي بعض الشخصيات المسيحية المعارضة لـ"الجبهة اللبنانية"(اليمينية) بـ"المسيحيين الوطنيين"، وأبعد من ذلك، يختصر بعض قادة اليسار ومنظّريه، لبنان، بين "الطائفة الانعزالية" (الموارنة وغيرهم) والطائفة الوطنية أو "التقديمة" (الشيعة الدروز ونحوهم)، أو بين البرجوازية السلطوية، و"الطبقة الطائفة" النضالية والماركسية.

كانت التسمية المؤدلجة والمقنّعة، خطاباً هذرياً خبيثاً وساذجاً واحترابياً، فحواها ذر الرماد في العيون، من أجل تسعير الصراع على السلطة والاستحواذ على شيء من الجمهور بلغة تمسّ عصبيته وقبليته... ووراء الأكمة ما وراءها! فنخلة مطران، المُبعد من الحزب الشيوعي اللبناني في الستينيات، كتب مقطعاً في "أوراقه" يقول: "طلع علينا بعض المنظّرين الجدد بمقولة الطائفة الطبقة، بحيث نسبوا إلى جماهير الموارنة، الإمتيازات الطائفية التي يتمتع بها سياسيو الطبقة البرجوازية من الموارنة. وقد رافقت هذه الإباحية في التنظير المبرِّر للإقتتال الطائفي، إلى تبني مطالب ومواقف الشخصيات الإسلامية، من دون أي حرص للتمايز على هذه الطروحات، بما يكفل المحافظة على الوجه المستقل للقوى الوطنية والتقدمية، واندفعوا في هذا الإتجاه اللامبدأي إلى التخلّي عن بند العلمنة في البرنامج المرحلي". والنافل أن الحزب الشيوعي طلب في السبعينات، سحب بند العلمانية الشاملة من برنامج الحركة الوطنية، إرضاءً للطوائف واستبدله ببند إلغاء الطائفية السياسية الذي كان يومها يستهدف المارونية السياسية بشكل أساس حين كان رئيس الجمهورية اللبنانية (الماروني) صاحب الصلاحيات "المَلَكية" في لبنان. 

واستمرت اسطوانة التسميات المبهمة والواضحة في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وما بعد العام 2005، فصرنا نسمع بتعابير عجائبية مثل "المثقف الشيعي"! كان السؤال هل يجوز أن نلصق بالمثقف أوصافاً دينية، طائفية أو مذهبية، لمجرّد أنه ينتمي بحكم الولادة والاسم والتنشئة إلى طائفة معينة؟ كانت التسمية توجهاً هذرياً من بعض "السيادييين" للحديث عن اختراق "بيئة حزب الله". دارت الأيام، وعدنا الى موجة "الطائفة الوطنية"، لكن هذه المرة بغلاف منمق وملطّف، وجوهر فجّ. فحزب الله، وفي إطار الجذب والاستحواذ والهروب إلى الأمام ومديح الذات، يسمى الثنائي الشيعي بـ"الثنائي الوطني"، رداً على تهمة تعطيل تشكيل الحكومة (حبذا لو يصبح الثنائي الشيعي وطنياً ينبع قراره من ذاته). وإذا كانت الحركة الوطنية في زمانها الغابر، ولإرضاء خزان المقاتلين والجمهور، قد أسقطت بند العلمنة من برنامجها، فالثنائي الشيعي، وخصوصاً على لسان الرئيس نبيه بري والمفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، وأمام كل أزمة أو مشكلة، يلومان الطائفية، ويطالبان بـ"الدولة المدنية" (تحت الشعار يكمن الطموح الطائفي)، في حين عطّل "الثنائي الوطني" المنشود، أي سياسة، إن لم يحصل على وزارة المالية للشيعة. هكذا، اختُزلت "الحياة السياسية في لبنان"، كما لاحظ الباحث وجيه كوثراني، بالطائفة أو "بأكثريتها" المتجانسة والمتمثلة في الحزب الحاكم الوحيد فيها...

لا ضرر في القول إن هذا النمط من السياسة، من أي طائفة اتُّبع، يؤسس لنهاية لبنان (المحتضر أصلاً)، ويجعله على حافة الهاوية...


mohammad.hujeeri@almodon.com

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024