"أرسموندو": فنون لبنان "المنفتحة" وتحية لإيتيل عدنان وجورج شحادة

حسن الساحلي

الجمعة 2021/03/26
بعد ثلاث نسخ تناولت الفن في اليابان، الهند، والارجنتين، خصص مهرجان "آرسموندو" السنوي نسخة هذا العام للفن في لبنان، متوجهاً للمبدعين اللبنانيين "الذين يميزهم انفتاحهم على العالم، تعدد لغاتهم، وامتلاك غالبيتهم علاقة خاصة أو حتى شاعرية مع فرنسا"، وفق البيان الذي وزعته مؤسسة "أوبرا الرين الوطنية"، المنظِّمة للمهرجان في ستراسبورغ، على أن تجري احداث المهرجان على دفعتين، الأولى افتراضياً عبر صفحة المؤسسة في يوتيوب، وتضم 48 عملاً (30 منها خصص للمهرجان) ستبقى متاحة للجمهور من يوم عرضها حتى الأسبوع الأول من نيسان، أما الثانية فتستكون من 3 حتى 15 حزيران المقبل، على أن تحدّد تفاصيل برمجتها لاحقاً.

اختار المهرجان أسماء تنتج أعمالاً باللغات العربية، الفرنسية، أو الانكليزية، ما يظهر بشكل واضح في قسم الأدب الذي اختار روائيين وشعراء يكتبون باللغات الثلاث (عدد منهم يعيش أصلاً في فرنسا والولايات المتحدة)، اذ يقدم كل واحد منهم قراءات من أعماله لمدة عشر دقائق "باللغة الأصلية التي يكتب بها، وبطريقة تحرص على خلق أكبر رابط مع الجمهور". يبلغ عدد هؤلاء 16 أديباً، من بينهم حسن داوود، إيمان حميدان، ديما عبد الله، وجدي معوض، الكسندر نجار، راوي الحاج، وربيع علم الدين وعباس بيضون... (يستضيف المهرجان مزيداً من الأسماء في حزيران)، وهؤلاء جميعهم إما تُرجمت أعمالهم او يكتبون بالفرنسية او الانكليزية.

بشكل منفصل، يقدّم المهرجان تحية خاصة للشاعر والمسرحي جورج شحادة (1905-1989) عبر قراءة حيّة لمختارات من أشعاره، يلقيها المخرج والممثل جويلوم جالين في "المسرح الفرنسي" (Comédie française)، وهو المكان نفسه الذي سبق وأنتج العام 1967 مسرحية شحادة السابعة L'Émigré de Brisbane. ينظم أيضاً لقاء مصور حول شحادة، يتحدث فيه الكاتب والناقد فارس ساسين عن الحقبة التي نشط خلالها شحادة مع شعراء وكتاب لبنانيين فرانكوفونيين مثل آندري شديد، فؤاد نفاع، ناديا تويني، فينوس خوري، وإيتيل عدنان، الذين شكلوا وسطاً ثقافياً غنياً خلال حقبة الستينات والسبعينات.


وتأخذ إيتيل عدنان (1925-)، الأديبة العابرة للأجيال والهويات، والرسامة التجريدية، حصة كبيرة من المهرجان، حيث يخصص لها يوم كامل يضم أربع مقابلات مصورة، تتناول ممارستها الفنية والأدبية. فيلم للثنائي جوانا حجي توما وخليل جريج، يتمحور حول الفنانة ومدينتها المحروقة سميرنا (إزمير حالياً)، قراءات شعرية بصوت كريستيان لونغشامب لرائعتها "نهاية العالم العربي" L’Apocalypse arabe (تتألف من 59 قصيدة على عدد أيام حصار تل الزعتر) والتي يصفها المهرجان بـ"إحدى أهم روائع ما بعد الحرب الشعرية في النصف الثاني من القرن العشرين ... والتي تشكل انفجاراً من الأصوات والصور الغنية بالمراجع الأدبية والتاريخية، ترسم بشعر غنائي غني، نهاية العالم المستوحاة من أهوال الحرب الأهلية"، لينتهي اليوم بمقطوعة للموسيقي زاد ملتقى، سجلها العام 2007، ومستوحاة من كتاب عدنان نفسه، ومقاطع من سفر الرؤيا ومزامير العهد القديم، تحمل عنوان Our أي مدينة باللغة الآرامية، و"تعتبر استثنائية بسبب عمقها والمساحة التي تعطيها للصوت المسكون بالقِدَم، صور الطفولة، وعوالم العنف المقدس الذي بنيت عليه الأديان التوحيدية".

بالإضافة إلى هذه المقطوعة، يقدم ملتقى مقطوعة أخرى، هذه المرة بتكليف من المهرجان، وتؤديها أوركسترا ستراسبورغ الفيلهارومنية، بقيادة باسم عقيقي وكورال مؤسسة "أوبرا الرين الوطنية" (المنظِّمة للمهرجان)، وتحمل عنوان "هيمون" على اسم ابن الملك كريون في التراجيديا اليونانية "أنتيغون"، وهو شخصية ثانوية في الأساس، يحولها زاد ملتقى إلى شخصية رئيسية في مقطوعته "كاشفاً عن مصيرها الممزق بين إتجاهين: واجبات الأمير تجاه شعبه، وحبه المحرم لأنتيغون التي عصت أوامر أبيه الملك". علماً أن الشخصية في الأساس تمتلك دوراً إيجابياً في النص اليوناني، إن كان من ناحية محاولة إعادة الرشد للملك الذي يحكم بالخوف وأعماه جنون العظمة والغضب، أو من ناحية محاولة إنقاذ أنتيغون من الإعدام بعدما دفنت أخيها، مخالفةً بذلك أوامر الملك التي نصت على عدم دفنه.


من الفنانين الآخرين الذين خصصوا أعمالاً للمهرجان، رامي الصباغ الذي يقدم بالتعاون مع شريف صحناوي، فيديو موسيقياً بعنوان Topologie d'une absence يستند إلى مقاطع أرشيفية صورها تقنيون عاملون في مؤسستي Gaumont وPathé في بيروت العام 1920. ووفق تعريف المهرجان، "هذه المشاهد تأخذنا إلى الماضي أو ربما تعيد الماضي إلى الحاضر، الهدف منها كان بث الحياة في تلك الوجوه والأجساد والعيون من خلال عدسة مصورين مجهولين لا نعرف شيئا عنهم". لكن عوضاً عن ذلك، يخلق الفيلم التباساً زمنياً ومكانياً عند المتلقي الذي لا يتمكن من تحديد مواقع الأمكنة، الأزياء، التصميمات المعمارية (لا أسماء للأمكنة في الفيلم)، التي لم تكن هجينة من الناحية الجمالية كما اليوم، بل أكثر حسماً من ناحية انضوائها ضمن هويات واضحة، إما غربية – فرنسية أو شرقية عثمانية. فالمباني الفخمة تبدو كأنها مصورة اليوم في أحد أحياء باريس التاريخية، أما مشاهد الأسواق الشعبية فتبدو أقرب إلى أحياء حلب أو دمشق من بيروت. كأن الفيلم عوضاً عن إعادة هذه المشاهد إلى الحياة، يؤكد لنا موتها وانفصالها عنا، كما موت بيروت العثمانية في ذلك الزمن.

يعود المهرجان مرة أخرى للماضي، لكن هذه المرة عبر تجهيز هو خلاصة تعاون بين الفنانة البصرية آية عطوي، والموسيقي أنطوني صهيون، اللذين أرادا بث الحياة مجدداً في مبنى "غراند تياتر"، المهجور الذي أعيد "اكتشافه" من المتظاهرين والفنانين المنتمين للجيل الأصغر، خلال انتفاضة 17 تشرين. يومها انتشرت صور المبنى في المنصات الاجتماعية ووسائل الإعلام، ليعلَن بسرعة كأحد رموز الثورة اللبنانية، كما مبنى "البيضة" المطل على ساحة الشهداء. دفع هذا الظهور المستجد للمبنى، الثنائي عطوة وصهيون، لإقامة عرض أوبرا أخير و"شبحي"، في المسرح الذي استضاف في منتصف القرن العشرين أبرز الأعمال السينمائية والمسرحية العربية، على أن تؤديه السوبرانو منى حلاب من الحركة الأخيرة في مقطوعة ريتشارد فاغنر "تريستان وايزولد".

من الأعمال الأخرى التي يقدّمها المهرجان وتستند إما كلياً او جزئياً على الموسيقى، "آجندا 1979" لغريغوري بوشيكجيان، وهو مستوحى من مذكرات ميلشياوي لبناني عثر عليها في أحد المنازل العام 1979، وتُقدّم بالتعاون مع الموسيقي الإلكتروني ساري موسى، ألبوماً لأحد مؤسسي مهرجان "ارتجال" شريف صحناوي، تحت عنوان "كولاج"، ويتألف من تسجيلات سابقة وغير منتهية كان قد عمل عليها سابقاً، وفيلم لنديم تابت تحت عنوان "Un dessin dans le ciel" كان قد بدأ تصويره قبل انفجار 4 آب من سطوح مباني برنارد خوري "السوداوية" في بيروت، لتشكيل خلفية لموسيقى عازف الروك شربل هبر، لكن الفيلم تحول إلى عمل مختلف بعد 4 آب، أقرب إلى "وداع للمدينة"..

للبرنامج الكامل يرجى الضغط هنا

 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024