من قتل الشاعر الافغاني بهاء الدين مجروح؟

محمد حجيري

الإثنين 2021/08/30
 
مع سيطرة حركة طالبان على افغانستان، عاد الحديث بقوة عن "اللانداي/ الشعر الشعبي لنساء البشتون"(*)، وسبب العودة بديهي، ذلك لأن حركة طالبان على عداء مع الحرية بشكل عام، والمرأة بشكل خاص، وفي اللاندي "تعبّر المرأة موضع النزاع، عن عاطفتها المتمردة بأسلوب أبلغ" بحسب محرر الكتاب الشاعر والباحث الأفغاني بهاء الدين مجروح. فـ"في مجتمع حيث تعتبر الرغبة والجنس من المحرمات الكبيرة، لا تخشى من الاقتراب من هذه المواضيع ومعالجتها بصدق قاس ودون اللجوء إلى طرق ملتوية. بين الجسد والدم، تفتخر بتعظيم جسدها، الحب الجسدي والثمرة المحرمة. تتصرف كما لو أنها تريد، عن طيب خاطر، صدم وفضح الرجال، وتستفزهم في فحولتهم نفسها". وأشهر من وَثّق وجمع "اللاندي" بهاء الدين مجروح نفسه، الذي اغتيل في الحادي عشر من شباط/ فبراير 1988، قبل يوم من بلوغه الستين، فتح الباب لطارق مجهول وتلقى عدة رصاصات في صدره. اغتيل، وهناك شيء من الالتباس والمعمعة حول هوية الجهة التي اغتالته أو نفذت عملية الاغتيال، وهذا واضح في الكتابات عنه، فهو بحسب منار محمد "قُتِل غدراً؛ لنيتهِ في حسنِ ضيافة أحد المجهولين عام 1988 في منفاه  في باكستان وقال عنه الشاعر الفرنسي أندريه فيلتير: "مات لأنّه تكلَّم بكل حرية، وبالأخص لأنّه كان صوتاً للذين لا صوت لهم"(*) أما الشاعر والمترجم اسكندر حبش فأشار بشكل عرضي خلال مقابلة له نشرت في "السفير"(المحتجبة) مع اندريه فيلتير الى أن السوفيات(النظام الشيوعي الآفل) قتلوا مجروح في زمن احتلالهم افغانستان، واتهم الشاعر والناقد عبده وازن، الذي كتب مؤخراً عن شعر نساء البشتون، حركة طالبان بمقتله، وكذلك فعل الناقد المغربي عثمان بوطسان، مع ان هذه الحركة تأسست عام 1994 اي بعد 6 سنوات على اغتيال مجروح. اختلفت التفسيرات، فمنهم من يقول ان المخابرات السوفياتية، قتلته لما يمثل من ثقل معنوي، ومنهم من يقول ان الحركات الإسلامية، "المجاهدة"، قد اغتالته، لأنه رفض الانضمام اليها. قد يكون الاستسهال في التصويب على طالبان لأن جسمها "لبيس"، ففي زمنها، وبتشجيع منها، قتلت الشاعرة ناديا انجمن على يد زوجها، وجدع أنف عائشة(طالبان قالت ان القضية شأن عائلي)، ودمرتْ تماثيل بوذا في وادي باميان، ومنعت الطائرات الورقية والتلفزيون والمدرسة.


وقد يبرر الكتّاب إلصاق التهمة بطالبان من دون ان تكون هي، من منطلق ان الحركات الظلامية(الدينية والايديولوجية) متشابهة في أفعالها المشينة الآثمة، فعثمان بوطسان يقول: ومع دخول السوفييت إلى افغانستان، مدّ مجروح أواصر العلاقة مع المقاومة الوطنية التي تصدت للاحتلال، ثم انتقل عام 1980 إلى بيشاور في باكستان. ففي فترة المنفى، عمل على تأسيس وإدارة "مركز المعلومات الأفغاني"، كما قام بإصدار نشرة دورية للمقاومة، وكان الناطق باسمها، وصلة الوصل بينها وبين مثقفي العالم، إلى أن تم اغتياله من طرف الحركات الظلامية المعادية للمقاومة الأفغانية. ويعتبر كتاب "أغاني التيه" من أشهر المؤلفات التي تركها الشاعر، إذ يصور لنا بكل جرأة وصدق معاناة الشاعر وإحساسه بالظلم الذي يمارس على بلاده، يقول:
«وحينها أدرك
أن الدرب الوحيد
الذي عليه أن يقطعه
الطريق الوحيدة المتبقية
هي التي تؤدي رأساً
إلى كهف الظلمات.

هذه الأبيات تكشف لنا أن الشاعر كان يعرف أن مصيره الوحيد هو الموت قتلاً على يد الحركات الإسلامية الظلامية، أو الاتحاد السوفييتي. فالمعركة التي كان يخوضها، كانت تشكل خطراً يومياً على حياته.

لا ريب أن الأنظمة التوتاليتارية والعنصرية على أشكالها تخاف من صوت الشعراء، اسرائيل كانت تعتبر محمود درويش أخطر من السلاح، نظام فرانكو في اسبانيا أعدم غارسيا لوركا، النظام الناصري سجن أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، ستالين اعدم اوشيب ماندلشتايم، ولا يختلف الواقع في افغانستان أياً كانت الجهة المسيطرة التي نفذت عملية اغتيال بهاء الدين مجروح.
(*) ترجمه جميل صلاح  إلى العربية  عام 2002 بعنوان "الشعر الشعبي للنساء البشتون". وبعدها عرّبته الجزائريه جليلة الدخلاوي نثراً  في طبعة صدرت في 2003 بعنوان: "رمّان قندهار".
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024