عدي الزعبي: مناهج المدارس العربية تتجاهل طه حسين(*)

المدن - ثقافة

الجمعة 2020/01/17
في مقدمة "ديوان الشعر العربي"، لأدونيس، يركز الرجل على قمتين في الشعر العربي: الجاهلي والعباسي. ثم يقول، بوضوح وصراحة، إن سخافات المدح والهجاء لا تعنيه في شيء، وإن الشعر العربي القديم فيه حياة وروائع، خالدة لم تلتفت إليها الثقافة العربية التقليدية.
المقدمة، والديوان بأكمله، تحفة فنية (مع بعض الآراء العجيبة الاستشراقية، التي لا يخلو منها نص من نصوص الرجل، حتى أفضلها). لكن ما يستحق الوقوف عنده بجدية كاملة، تجاهله الكامل والكلي والمطلق لطه حسين، الذي افتتح النقد العربي الحديث بمقولته، الصحيحة والبسيطة، بأن معظم الشعر الجاهلي منحول.

محمد مهدي الجواهري، على العكس من أدونيس، يناقش طه حسين، في مقدمة ديوانه للشعر العربي "الجمهرة"، ليتهم العميد بأنه استشراقي متعصب عضد العرب وجاهل! الجواهري يتكلم باسم السلطة والتراث والتقاليد الميتة، ويطرح حججاً لا تستحق حتى التوقف عندها.

عارف حجاوي، يسرد قصة الشعر العربي، بطريقة مبسطة، متجاهلاً العميد وثورته.
كل مناهج المدارس العربية تتجاهل طه حسين: المحاولة البطولية التي قام بها الرجل، فشلت فشلاً ذريعاً: المثقفون، والسلطات الدينية والسياسية، أجمعوا على الحفاظ على تقاليد الجهل والأساطير، وتلقين الناس سخافات شعرية وفكرية وقصصاً لا معنى لها، على أنها التراث التاريخي والفني للأمة العربية.

كيف نجحت الثقافة العربية في قتل طه حسين؟ هو الذي نجا بأعجوبة من محاولة إسكاته بعد محاكمته في بدايات القرن الماضي، ليقتل لاحقاً على أيدي مثقفين كثر، عروبيين وإسلاميين، لم يحتملوا فكرة مراجعة شعر الجاهليين: وهو مجموعة مفككة من أطلال مندثرة وناقة تركض وجمال تترنح، وتعريض وتحقير بالنساء وبأزواجهن على يد مؤسس الشعر العربي، بحسب الأسطورة: شخص قليل الأخلاق يسمى أمرؤ القيس؟

وقصة الشعر الجاهلي، ليست فقط قصة مجموعة أشعار مفككة: بل قصة رؤية الناس للشعر والفن والأخلاق، وتقييم أنفسنا في عالم اليوم. في كل ما كتبه طه حسين، كان الرجل ملتزماً برؤية تنويرية، تلتزم بالتاريخ الحقيقي، وبتقييم فني صادق، وبرؤية أخلاقية: "حديث الأربعاء" و"تجديد ذكرى أبي العلاء" و"مع المتنبي"، كلها عانت مصير "في الشعر الجاهلي" نفسه، (في المختارات الثلاث لأدونيس والجواهري وحجاوي، يتجاهلون نقد العميد للمتنبي كما تجاهلوا نقده للشعر الجاهلي. الاستثناء اللامع هو فوزي كريم في "ثياب الإمبراطور"، الذي يستحضر طه حسين ويبني عليه، ليوسع من أفكاره بطريقة مبتكرة وعميقة). فتجتر الثقافة العربية، على أيدي التقليديين والحداثيين سوية، المفاهيم والرؤية نفسها للتراث بأكمله: وبالتالي، للحاضر.

(*) مدونة نشرها الكاتب السوري عدي الزعبي في صفحته الفايسبوكية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024