لماذا يتوجّس الناس من حسّان دياب؟

أسعد قطّان

الأحد 2020/03/08
ليس من المبالغة في شيء القول إنّ قرار حكومة الرئيس حسّان دياب بعدم تسديد سندات اليوروبوندز المستحقّة في التاسع من آذار أتى من حيث المبدأ في مصلحة الناس، وأعلن للمرّة الأولى منذ سنوات التمرّد على شيطان الاستدانة. ولكن أليس مستغرباً أنّ هذا القرار ظلّ عاجزاُ عن إقناع الناس المنتفضين في الشوارع، ولم يغيّر شيئاً في إصرارهم على حجب الثقة، ثقة الشعب، عن حكومة دياب، وذلك في انتظار أن تثبت قدرتها على استعادة هذه الثقة من جديد؟

أوّل ما يسعفنا على تفسير هذه الظاهرة هو أسلوب دياب الإنشائيّ. لقد أدرك الأقدمون في اليونان وروما أنّ جزءاً من قدرة السياسيّ على التأثير في الناس هو طول باعه في الخطابة. هذه الملاحظة لم تفقد شيئاً من لمعانها حتّى بعد مرور آلاف من السنين على رصدها. الرئيس دياب يبدو أنّه يفتقر إلى المهارة الخطابيّة. لذا، هو يحاول التعويض عنها بجمل إنشائيّة مستهلكة كثيراً ما تحيل إلى لغة السياسيّين الخشبيّة التي تعب منها الناس. بكلّ بساطة، لغة الرجل توحي بأنّه امتداد باهت لأهل السياسة الذين سبقوه، وهو قد لا يكون كذلك، وذلك رغم نواياه الحسنة وما يتمتّع به من شخصيّة حديديّة يشي بها صمته العميق خلال مرحلة تأليف الحكومة. ويبدو أنّ هذه الثغرة الخطابيّة في شخصيّته، على الأقلّ في ما يختصّ باللغة العربيّة، لا تعمل لمصلحته.

العامل الثاني الذي جعل الناس تزداد توجّساً من حسّان دياب هو أنّ الخطاب القصير الذي ألقاه في السراي يفتقر إلى ما يمكن تسميته «لغة الأشياء الملموسة». لا ينكر أحد على الحكومة الجديدة أنّها تعمل بنشاط وتحاول قدر الإمكان أن تنأى بالنفس عن حسابات الأحزاب التي حكمت البلد ودفعت به إلى الهاوية. ولكنّ العمل النشيط لم يترجَم في كلمة دياب كلاماُ ملموساً يشير، ولو من باب الإمكان، إلى بعض الخطوات العملانيّة التي تنوي الحكومة اتّخاذها في الأسابيع المقبلة وقبل انتهاء مدّة المئة يوم المعطاة لها. لا أحد خياليّاً إلى درجة الاعتقاد أنّ دياب كان يجب أن يخرج علينا بخطّة متكاملة بعد أقلّ من شهر على نيل الحكومة ثقة المجلس النيابيّ. ولكن كان الأجدر به أن يكون أقلّ تسويفاً وأكثر واقعيّةً. والحقّ أنّ جانباً مهمّاً من تكلّم لغة الأشياء الملموسة فيما يسابق الناس الكارثة هو الاستعانة بمنطق الزمن، أي مصارحة الناس بالمهلة الفعليّة التي تحتاجها الحكومة لإعلان خطّتها الاقتصاديّة المتكاملة وماهيّة الخطوات «الصغيرة» التي يمكن تنفيذها قبل الوصول إلى هذا الإعلان.

ربّما يكون العامل الثالث هو الأشدّ وقعاً. فما يجعل منسوب الريبة لدى الناس يتضاعف حيال حسّان دياب وحكومته هو شعورهم بأنّ ورشة مكافحة الفساد لم تبدأ فعليّاً، أو أنّ خطواتها الأولى ما زالت متعثّرة. على الرئيس دياب أن يدرك، لا بالإنشائيّات الرنّانة فقط، أنّ المعركة الناجحة على الفساد بعد انتفاضة 17 تشرين ستكون هي بيضة القبّان، لا لأنّها ستبيّن للناس أنّ دورة الحياة السياسيّة والرقابيّة عادت إلى الانتظام فحسب، بل لأنّها ستسهّل عليهم أن يقتنعوا بضرورة الإجراءات «الموجعة» التي ستُفرض عليهم، والتي من دونها لا يستطيع بلد أن يتخطّى أزماته الاقتصاديّة. في هذه المعركة يضطلع القضاء وتحرير القضاء من الارتهان لأهل السلطة بدور مفصليّ وحاسم. فهل ينجح الرهان؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024