رصاصة عباس

روجيه عوطة

الأحد 2019/06/30
فتحت صفحة النتائج فجراً. فتشت عن رقمي، وجدت أنني راسب. عاودت التفتيش، ولكن، هذه المرة، عن اسمي، فوجدت انني راسب أيضا. طلبت الصفحة من جديد، وكررت المحاولة.... أنا فعلاً راسب، انصدمت، تسمرت في مطرحي، ضربات قلبي تتسارع، اسمعها في حين لا أقدر على التنفس. حرارتي ترتفع، ثم تهبط، البرد يعتريني، وعيناي تزوغان، ولا تستطيعان التقاط سوى ضوء ابيض ينفذ من الشباك. الصباح قريب، والجميع في المنزل نيام، لكنهم، لاحقا، سيستيقظون، ويعلمون انني رسبت. تتزايد دقات قلبي، لا أقوى على الحركة، ارتجف، أرتعب، امسك نفسي، اشرع في التساؤل: ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟

غداً، وحين يعلم الجميع أنني رسبت، ستتغير كل حياتي. لن أعود مثلما كنت البارحة، سأصير الساقط، أو الفاشل في أحسن الأحوال. ومن هذه اللحظة إلى أن يحين موعد الدورة الثانية، سيكون عليّ تحمل التعامل معي بطريقة لا أحمد عليها. فها انا اتخيل ابي، يدخل من الباب، غاضباً، متأففاً، ينظر الي، ويراني جالسا على الكنبة، فيرمي عليّ نظرة صامتة، ثم يأمرني، وبلا اي لفظ منه، أن ازيح. أشعر انه يقول لي: "ابتعد ايها الساقط"، فابتعد واضعاً رأسي، الذي يرتفع فوق جسدي النحيل، في الأرض. وها انا اتخيل امي، وفي حال أحست انني لا اطيعها، تصرخ فيّ أنه "لا يكفي انك ساقط"، أو ربما، لا تصرخ، بل تبقى في وشك الإقدام على ذلك، وعندها، يصيبني نوع من الشلل.

لا أحد سيوقف سقوطي. ففي الشارع، سألتقي بصحبي، الذين العب معهم عادةً، يتحاشوني، وإن لم يفعلوا ذلك، يشفقون عليّ، فيذكرونني بوضعي على الدوام. من بين هؤلاء، اقاربي، الذين يسخرون مني في السر أو في العلن، ولكن، باستمرار، امام أهلهم. هؤلاء، لم يتوقفوا، ومنذ سماعهم خبر سقوطي، عن ترداد جملة واحدة، وهي "لمين بده يطلع غير لبيه وأمه". أبي يسمعهم يقولونها، أمي أيضا، اسمعها معهما، ويجتاحني الشعور بالخجل مما ارتكبته بحقهما. ذنب كبير يجثم فيّ، ولا عذر يمحوه، فقد وضعتهما في موقف بشع، وهما سيذكرانني به على مدار الوقت. لن أقوى على النظر في عيونهما، وان نظرا الي، يوبخانني، ويجعلانني امقت نفسي اكثر فأكثر. لقد سقطت، واسقطهما معي، وهما، لكي يتخلصا من سقوطي، الذي يأخذه مجتمعهما عليهما، لا بد من أن يضعانني جانبا كي لا يتعرفا فيّ على سقوطهما أيضا.

الجميع، وحين يستيقظ، سيعمد إلى التطهر من سقوطه، بجعله من سماتي انا وحدي، بجعلي في ذاتي عنواناً له. من يتلافى الكلام معي، يتجنبه، من يسخر مني، يتهكم عليه، من يوبخني، يؤنبه، من يطردني، يطرده، من يخجل بي، يخجل به.

لا أحد سيسأل "لماذا رسب؟". لا أحد سيتحدث عن ظروف دراستي في المنزل، عن وضع مدرستي ومنهاجها، عن ظروف امتحاني مثلما صنعته دولته بجو بوليسي، مملوء بكاميرات المراقبة، وبالاسلحة، وبكلاب الحراسة. فقد كنت في ظن هذه الدولة غشاشاً سلفا، وبالتالي، يجب تهديدي ومعاقبتي. لا أحد سيسأل، بل كل ما سيُقال انه "مش شاطر"، وأنه "لم يدرس كفايةً"، وأنه "تلهى"، وسيُضاف "ان غيره، ومن صفه، تمكن من النجاح"، وأن "ثمة مَن كان يدرس على ضوء الشمعة وينجح، فما الذي ينقصه لكي لا ينجح". كل هذه العبارات تختلط في رأسي، تحتلني، وتسيطر عليّ، وتزيد من فزعي. اتخيل انه بعد ساعات سيبدأ ليلي، حيث لن يبتسم لي أحد، لن يدافع عني احد، لن يتقبلني احد. ماذا أفعل؟ كيف انتهي من حالتي هذه؟  اكتمل الحصار عليّ. اهرع إلى الغرفة، اسحب مسدس، الذي يقتنيه ابي، "اخرطشه"، اضعه في رأسي، وأطلق النار.

انا عباس قررت قتل نفسي لكي أوقف كل هذا السقوط. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024