معاوية عبدالمجيد لـ"المدن":رغبة مُلحّة لترجمة رواية أوروبية طوَّرت السرد

هيڤا نبي

الخميس 2018/10/11
فاز المترجم السوري معاوية عبد المجيد بجائزة "جيراردو دا كريمونا الدولية" لترويج الترجمة في حوض المتوسط، في دورتها الرابعة. 
وترجم معاوية أعمالاً بارزة من الأدب الايطالي إلى العربية، منها "ظل الريح" و"لعبة الملاك" لكارلوس زافون ورباعية "صديقتي المذهلة" لأيلينا فيرانتي، و"بيريرا يدّعي" لأنطونيو تابوكي.
عن الجائزة والترجمة كان لـ"المدن" معه هذا الحوار..


- حدّثنا أولاً عن دخولك لعالم الترجمة الشاسع، متى وكيف كانت البداية؟ ما المصاعب التي واجهتك في اولى خطواتك؟

* كانت البداية الحقيقية عقب إنهائي لدراسة الأدب الإيطالي في جامعة سيينا في إيطاليا وتحديداً منذ العام 2012، وأتت كنتيجة للعزلة التي فرضتها علينا الحرب السورية. لكن كمشروع عام، فإن الترجمة كانت هاجسي على الدوام حتى في أيام دراسة الجامعة وكان الحافز الأكبر لي هو عدم تلمسي للأدب الايطالي بشكل واسع باللغة العربية. صعوبة البداية كانت من أكبر الصعوبات، ذلك أن الخوض في ترجمة الأدب الإيطالي كان يعني طرق باب مجهول مقارنة بترجمات الأدب الفرنسي أو الأوروبي عامة أو أدب أميركا اللاتينية. فحتى قبل نحو سبع سنوات كانت الترجمات من الإيطالية شبه نادرة، وبالدرجة نفسها كان الإهتمام بالأدب الإيطالي قليل عامةً، وهنا بالذات كانت مغامرتي والصعوبة الحقيقية التي اختبرتها.

- منذ أيام، تم اختيارك لنيل "جائزة جيراردو دا كريمونا الدولية" لترويج الترجمة في حوض المتوسط، في دورتها الرابعة، حدثنا عن الجائزة وأهميتها بالنسبة إليك..

* تعدّ هذه الجائزة من الجوائز المرموقة والمهمة، وتنبع أهميتها من تقديرها ودعمها لجهود المترجمين، وقد نالها سابقاً المترجم صالح علماني في دورة 2015، وكاظم جهاد في دورة 2016. أنا أول من يحصل عليها كمترجم من الإيطالية، وأمثِّل بذلك المترجمين عن اللغة الايطالية والشباب خصوصاً. أما أهميتها بالنسبة إلي، فلا تقدر بثمن لأنها سلطت الضوء عليّ كمترجم شاب تمكن في فترة قصيرة نسبياً من أن يحقق بعض ما يتمناه من نجاح.

- ترجمتً أعمالاً بارزة من الأدب الايطالي إلى العربية منها "ظل الريح" و"لعبة الملاك" لكارلوس زافون ورباعية "صديقتي المذهلة" لأيلينا فيرانتي، و"بيريرا يدّعي"  لأنطونيو تابوكي، وغيرها من الأعمال التي لقيت الكثير من النجاح. فما هي العوامل التي ساعدتك على ترجمة مثل هذه الأعمال؟ وما سرّك في هذه الاختيارات؟

* أعتمد في ترجماتي على الشغف بالدرجة الأولى، فسواء كنت أنا من يختار ترجمة رواية ما، أو تأتي  كإقتراح من دار نشر، فإن العامل الأساس هو إيماني التام وإقتناعي وتأثري بالعمل، هذا الإيمان وحده مكّنني من نقل ذلك الشغف وتلك القناعة إلى القارئ. يضاف إلى ذلك اختيار الأعمال الحاصلة على إشادة في وسطها الأدبي وذات التقنيات السردية الملفتة والمميزة.

- الترجمة هي ورشة كاملة. فهناك النص الجاهز الذي يقرأه الجميع. وخلف الكواليس، الآلات والمعدات والتقنيات التي تخرج هذا الكتاب إلى النور. حدثنا عن ورشتك الخاصة وعن طقوسك في الترجمة..

* ورشة عملي بسيطة جداً، قواميس وركن خاص بالعمل، وقهوة وسجائر على مدار اليوم. وكأي عمل فني أو أدبي، تحتاج الترجمة مزاجاً خاصاً بها، تحتاج إستعداداً نفسياً وفكرياً كاملاً. لذا، فأنا أعتمد على اللحظة الملهمة والمناسبة. عادةً، لا أستطيع العمل أكثر من 40 دقيقة متواصلة، وأفصل بذلك بين ساعات العمل وساعات الراحة، بحيث تغدو المسألة قريبة من اللعب ظاهرياً، مع أنها تتخد بالنسبة لي صرامة أتقيد بها لأضمن إستمراري.



- هل يمكننا التحدث عن أمانة المترجم للنص الأصلي؟ ما حدود هذه الأمانة في رأيك؟

* الأمانة في الترجمة مفهوم شديد التعقيد ولا يخضع لمعايير ثابتة. فرغم زخم القواعد الضابطة للترجمة وأسالبيها وتقنياتها، إلا أن هناك كتب تفلت من كل تلك القيود. وبالمختصر، لكل كتاب طريقته الخاصة في تناوله وترجمته. يمكن القول إن هناك ترجمة تعتمد على النقل وأخرى على روح النص، لكن لا يمكن الإكتفاء بروح النص. في بعض الأحيان، فإن عدم التقيُّد بكلمات النص الأصلية يُفقد الفكرة قوتَها وجوهرها.

- أخيراً، في رأيك لماذا تأخذ الروايات الحظوة الأكبر من الترجمة إلى العربية مقارنة بباقي الميادين؟ وما نصيحتك للمترجمين الشباب؟

* الرواية هي حلم يمكن أن نتناقله بين بعضنا ونمتلكه على الدوام، وتأتي قوة الرواية من ثباتها على ما هي عليه رغم إنتقالها من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى. فبينما يتملص الشِّعر من التعميم، ويبقى خاصاً مهماً انتشر وقُرئ، تتمكن الرواية من الانتقال بمرونة تامة من دون أن تفقد شيئا من قوتها. من ثم فالرواية ميدان واسع، مشرع الأبواب لكل المعارف، فهي تتضمن الشعر والفلسفة والتاريخ وعلم الأحياء والجغرافيا... أما عن الرغبة الملحة في ترجمة الروايات الغربية، فأرى أن هناك هوساً لمعرفة هذا العالم الأدبي الذي أسسه وطوره الغرب. ففي مجال الرواية خاصة يمتلك الأوروبيون مدرسة عريقة قطعت أشواطاً في تطوير التقنيات السردية ومناقشة القضايا الطارئة والحساسة.
من جملة ما يمكن أن أنصح به المترجم المبتدئ هو تطوير اللغة الأم والتمكن منها بشكل كاف. فلا يكفي أن تمتلك لغة لتتمكن من الترجمة، بل تحتاج للفصاحة في لغتك الأم لتتمكن من ترجمة أدب سليم ولتتمكن من نقل تأثير الأدب الغربي كما تأثرت به أنت نفسك. كما أقترح البدء بترجمة قصص قصيرة، مترجمة سلفاً والعمل عليها ومقارنتها وتحليلها على ضوء الترجمة السابقة. كما يمكن التمرين على المقالات لاكتساب مرونة التحرك والإبداع في اللغة الأم. يمكن أن أضيف أيضا الإلمام الكامل بثقافة وحضارة وفنون وعادات موطن اللغة التي نترجم عنها، كذلك الإلمام بتاريخ أدب ذلك البلد وتطوره. النقطة الأهم والأخيرة لترجمة ناجحة هي العمل بشغف، فالترجمة كأي فن لا يمكن لها أن تثمر تحت الطلب أو لغرض المادة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024